كتاب حسن التنبه لما ورد في التشبه (اسم الجزء: 1)

وفي قوله: فإن صاحب الدنيا يحبه البَرُّ والفاجر: إشارة إلى أنَّ محبة أهل الدنيا ومؤاخاتهم ليس فيها فضيلة أصلاً، والأمر كذلك.
وقد عوتب النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعراضه مرة عن الفقراء اشتغالاً بمحادثة من كان يرجو إسلامه من أرباب الدنيا (¬1)، بقوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].
بل محبة أهل الدنيا للدنيا مكروهة أو حرام؛ لأنها ترجع إلى محبة الدنيا.
وفي الحديث: "حُبُّ الدُّنْيا رَأْسُ كُلّ خَطِيْئَةٍ". رواه البيهقي في "شُعَب الإيمان" عن الحسن مرسلاً (¬2).
وروى الإمام أحمد، والبزار، والطبراني، وابن حبَّان، والحاكم - وصححاه - عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحَبَّ دنْياهُ أَضَرَّ بآخِرَتهِ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْياهُ، فآثِرُوْا ما يَبْقَى عَلَى ما يَفْنَى" (¬3).
¬__________
(¬1) انظر: "سنن ابن ماجه" (4127).
(¬2) رواه البيهقي في "شُعَب الإيمان" (10501).
(¬3) رواه الإمام أحمد في "المسند" (4/ 412)، وابن حبَّان في "صحيحه" (709)، والحاكم في "المستدرك " (7853). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 249): رواه الإمام أحمد والبزار والطبراني ورجالهم ثقات، =

الصفحة 34