كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر: 23] فقيلَ: متشابِهاً في العَدْلِ والإِعجاز، وقيل غيرُ ذلك مِمّا هو في معناهُ (¬1).
و {مَثَانِيَ} قال ابنُ عَبّاسٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-: يُحْمَلُ بعضُها على بعضٍ (¬2).
وهذانِ النوعانِ -أعني نَوعَي المُتَشابِهِ- مِمّا اخْتَصَّ بهما القرآنُ، وكذا السُّنَّةُ المُحَمَّدِيَّةُ -على صاحبِها أفَضلُ الصلاة والسلام-.

وهذا النوعُ الثاني من المتشابِهِ على قسمين:

أحدهما: الاقْتِصاصُ (¬3)، وهو الاتِّباعُ، مأخوذٌ من قولِهِم: اقْتَصَّ الأَثَرَ إذا اتّبَعَهُ (¬4)، وهو أن يكونَ كلامٌ في سورةٍ مَقْرونا بلامِ الذكْرِ، فيقتصُّ العالِمُ ذلكَ من كلامٍ آخَرَ، إمّا في تلكَ السورةِ، وإمّا في سورةٍ أخرى؛ كقولِ اللهِ -جَلَّ جَلالُه-: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [العنكبوت: 27] والآخرةُ دارُ ثوابٍ وجَزاءٍ لا عَمَلَ فيها، فهذا مُقْتَصٌّ من قوله تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} [طه: 75].
ومثلُه قولُ اللهِ -عَزَّ وجَلَّ-: {وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)} [الصافات: 57] , والمُحْضَرُ مأخوذٌ من قولهِ تعالى: {فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ
¬__________
(¬1) انظر: "الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (1/ 123)، و"الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي (1/ 639)، و"التحرير والتنوير" لابن عاشور (11/ 385)، و"مذكرة في أصول الفقه" للشنقيطي (ص: 75).
(¬2) انظر: "تفسير ابن كثير" (4/ 51)، و"الدر المنثور" للسيوطي (7/ 221).
(¬3) انظر هذا المبحث في: "البرهان في علوم القرآن" للزركشي (3/ 343)، و"الإتقان" للسيوطي (2/ 913).
(¬4) انظر: "لسان العرب" (7/ 73)، (مادة: قصص).

الصفحة 105