كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

ويَقْرؤوهُ، وحُجَّةً عليهِمْ لِئَلاً يَجْحَدوهُ، فبيّنَ لَهُمْ -جَلَّ جَلالهُ- ما فيهِ صَلاحُهُمْ ورُشْدُهم، وفلاحُهم في دِينِهم ودُنْياهُم؛ مِنْ صَلاتِهِمْ وزَكاتِهِم وحَجِّهِم وصِيامِهم، ومُناكَحَتهِم ومعُاملاَتهم، وأَكْلِهم وعاداتهم، ومكارِم أخلاقِهم التي شَرُفوا بها على أمثالهم، وبيّن الله -سبحانه وتعالى- فيهِ منَ المباحِثِ القُدْسِيّاتِ، والبَراهينِ القَطْعِيّاتِ، والأَحْكامِ الَبيِّناتِ، والسِّياساتِ القَيِّمات، وتَهْذيبِ النفسِ من النقائِصِ المُسْتَقْذَراتِ، وتَزْكِيتها بالأخلاقِ الزَّكِيّاتِ، وغيرِ ذلك منَ العلومِ الغَزيراتِ، فعملوا منهُ بما عَلِموا (¬1)، وتَفَهَّموا من رسولِ اللهِ (¬2) -صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّم- ما لم يفهموا، إذْ جعلَ اللهُ -سُبْحانهُ- إليه بيان القرآنِ العَظيم، فَمَنْ قبِلَ عنهُ -صَلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّمَ- فَعَنِ اللهِ قَبِل.
قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80].
وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
* * *

فصل
واعلموا أنَّ اللهَ تَعالى أوجبَ على نبيِّه -صَلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّم- بيانَ ما أَنْزَلَ عليهِ، وجَعلَ بيانَ ذلكَ إليهِ، وخَصَّه بهذا المَنْصِبِ الشَّريفِ الأَعْلى، زادَهُ الله الكريمُ شَرَفاً وفَضْلاً، وقالَ -جَلَّ وعلا- {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
ثمَّ اعلَموا أَنَّ بيانَه لأمتهِ مِنْ ثلاثةِ أَوْجُهٍ، فَوَجْهانِ مُتَّفَقٌ عليهما عندَ أهلِ العِلم، وفي الثِالثِ اختلافٌ عندَهُمْ:
¬__________
(¬1) في "ب": "فعلموا منه ما علموا".
(¬2) في "ب": "وتفهموا منه".

الصفحة 11