مُشْكِلٌ لا يستقلُّ بنفسِهِ في الكشفِ عن المُرادِ؛ لأنَّ القضاءَ واحدٌ، والواقعةُ تحتملُ أحوالاً (¬1).
وذلك كما رُوِيَ: أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالشُّفْعَةِ (¬2) للجارِ (¬3)، فالقَضِيَّةُ واحِدَةٌ، والجارُ الذي قَضى له يُحتمل أن يكونَ جُنُباً أو مُلاصِقاً أو مشايعاً، فهذا يُرْجَعُ في بيانِه إلى الأدلَّةِ، فإنْ لم يوجَدْ دليلٌ، فيؤخذُ بأقلِّ ما قيلَ (¬4)، فيُحملُ على الجارِ المُشَايعِ؛ كما فعل الشافعيُّ رحمه الله تعالى.
¬__________
(¬1) هذه المسألة مشابهة لما قبلها وهي: هل أنَّ ما يجري مجرى الفعل، يعم أولا يُعم؟ قال العمريطي في "نظم الورقات":
ثم العموم أبطلت دعواه ... في الفعل بل وما جرى مجراه
وانظر: "الإحكام" للآمدي (1/ 2/ 274)، و"شرح تنقيح الفصول" للقرافي (ص: 188)، و "بيان المختصر" للأصفهاني (2/ 518)، و"نهاية السول" للإسنوي (1/ 467)، و"البحر المحيط" للزركشي (3/ 168).
(¬2) الشفعَة: الشُّفعة في الدار والأرض: القضاءُ بها لصاحبها. قال القتيبي في تفسير الشفعة: كان الرجل في الجاهلية إذا أراد بيع منزل أتاه رجل فشفع إليه فيما باع فشفّعه وجعله أولى بالمبيع ممن بعُد بيته، فسُميت شفعةً وسمي طالبها شفيعاً. "اللسان" (مادة: شفع) (8/ 184).
والمعنى في الحديث أن الجار أولى من غيره بشراء ما يباعُ مما في جواره.
(¬3) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (4/ 518) عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، ورواه البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 111) عن سعيد بن المسيب، مرسلاً.
(¬4) الأخذ بأقل ما قيل: وهو أن توحَّد الأقوال في المسألة دون ترجيح لأحدها، ويكون بعضها داخلاً في بعض، متفقاً على حكمه ضمن الأقوال، ومختلفاً فيما زاد على الأقل. وهو قول الإمام الشافعي والباقلاني، ونسب إلى غيرهما.
انظر: "المستصفى" للغزالي (1/ 375)، و "شرح تنقيح الفصول" للقرافي (ص: 452)، و"سلاسل الذهب" للزركشي (ص: 430)، و "غاية الوصول" للشيخ زكريا الأنصاري (ص: 108).