كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

ومنهُمْ من قالَ: إنَّه بَيِّنٌ (¬1)، وعَزاه إلى نَصِّ الشِّافعيِّ (¬2) رضي اللهُ تَعالى عنهُ، وهو الصوابُ عندي -إن شاءَ اللهُ تَعالى-؛ لأنه معقولٌ في لسانِ العرب، أي (¬3): رَفْعُ المُؤَاخَذَةِ، ألا تَرى أن العربيَّ إذا قالَ لعبدِهِ: رفعْتُ عنكَ خَطَأَكَ، فُهِمَ منهُ تَرْكُ المُؤاخَذَةِ بالخَطَأ؟
سادسها: قول اللهِ -تَبَارك وتَعالى-: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196].
نُقِلَ عن الشافعيِّ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه- في كتابِ "الأُمِّ" (¬4) أَنَّ في الآيةِ إِضمْاراً، والمَقْصود منها بيِّنٌ غيرُ مُجْمَل، فكأنه قال: فمنْ كانَ منكمْ مريضاً، أو به أذًى من رأسِه، فحَلَقَ، أو دَهَنَ، أو لَبِسَ، أو تطيَّبَ، فَفِدْيةٌ، وذلك ظاهر من قصدِهِ في رَفْعِ تَحريمِ المُحَرَّماتِ عنهُ، وتعليقِ الكفارةِ بهِ، هذا معنى قوله، رحمهُ اللهُ تعالى.
ونُقِلَ عنهُ أنه قالَ في كتابِ "الإملاء": إِنَّ ذلكَ المُضْمَرَ غَيْرُ بَيِّنٍ.
والصَّحيحُ عندي هوَ الأَوَّلُ.
فإنْ قيلَ: فهل بَيْن هذه المسألةِ وبين (¬5) المسائلِ المتقدمةِ فَرْقٌ أو لا؟ ففي الكُلِّ إضماراتٌ؟
¬__________
(¬1) انظر: "اللمع" للشيرازي (ص: 115)، و"الإحكام" للآمدي (2/ 3/ 18)، و"بيان المختصر" للأصفهاني (2/ 595)، و"البحر المحيط" للزركشي (3/ 471)، و"إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: 171).
(¬2) لم أجد من عزا ذلك إلى الإمام الشافعي -رحمه الله- رغم طول البحث عنه.
(¬3) "أي" ليس في "أ".
(¬4) انظر: "الأم" (2/ 188) وما بعدها، و (6/ 190) وما بعدها.
(¬5) "وبين" ليس في "أ".

الصفحة 44