كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

ولم يكنْ فيه نفيٌ لرفع الجُناح في إبدائِها لِقَرابَةِ الرَّضاعِ.
فهذا كُله دليلٌ على هذا الأصلِ الذي أصَّلناه؛ لتعلموه، ولتعتبروا به.
وقد يختلف الفقهاءُ في الأدلَّةِ المؤدّيةِ إلى المُرادِ معَ اتِّفاقِهِمْ على العملِ بالنظر والاجتهاد.
* واعلموا أن العربَ قد تَخُصُّ بالذكرِ شيئًا لأسبابٍ ومَقاصِدَ، وهو وغيرهُ سواءٌ، ووردَ في القرآنِ والسُّنَّةِ من ذلك أنواعٌ (¬1):
أحدُها: أن يكونَ الشيءُ جواباً لسؤالِ سائلٍ سألَ بكلامٍ مَخْصوصٍ بإحْدى صِفَتَيِ الاسمِ، فيحصلُ الجوابُ على وَفْقِ سؤالِهِ، وعلى هذا تحملُ الشافعيةُ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ والرَّضْعَتانِ" (¬2).
الثاني: أن يَخُصَّهُ بالذِّكْرِ لأجلِ التَّفْضيلِ والتَّعْظيم، ومنهُ قولُ اللهِ - تَبارَك وتَعالى-: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] ومنهُ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "والزِّنا بِحَليلَةِ الجار" (¬3)، ومنه:
¬__________
(¬1) يعني: أن ذلك القيد المذكور لا يفيد نفي الحكم عما سوى ذلك القيد؛ لأنه خرج لمقصد معين، وعند ذلك لا يعمل بمفهوم المخالفة.
انظر ذلك في: "البرهان" للجويني (1/ 474)، و"الإحكام" للآمدي (2/ 3/ 109)، و"بيان المختصر" للأصفهاني (2/ 629)، و"المسودة في أصول الفقه" لآل تيمية (2/ 700)، و"نهاية السول" للإسنوي (1/ 364)، و"البحر المحيط" للزركشي (4/ 19)، و"المحلي مع البناني" (2/ 245)، و"إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: 179).
(¬2) رواه مسلم (1451)، كتاب: الرضاع، باب: في المصة والمصتان، عن أم الفضل.
(¬3) رواه البخاري (4207)، كتاب: التفسير، باب: قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، ومسلم (86)، كتاب الإيمان, باب: كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده، من حديث عبد الله بن مسعود، بلفظ: سألت =

الصفحة 71