كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

والضربُ الثاني: أن يكونَ أصلُ الذي وقعَ فيهِ النَّهْيُ الحِلَّ والإباحَةَ، فهو على التَّحْريمِ أيضًا عندَ الشافعيِّ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه - وذلكَ (¬1) كالأكلِ واللُّبْس، أصلُهما الحِلُّ والإباحَةُ، ونَهَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن اشْتِمالِ الصَّمّاءِ (¬2)، ونَهى أنْ يَحْتَبِيَ الرجلُ بثوبٍ ليس على فَرْجهِ منهُ شيءٌ (¬3)، ونهى أن يأكلَ الإنسانُ ممّا لا يليهِ (¬4)، ومنْ وَسَط الطعامِ (¬5).
قال الشافعيُّ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهُ- في كتابِ "الرِّسالَةِ": فإذا عَلِمَ بالنَّهْي، وفَعَلَهُ على الوَجْهِ المَنْهِيِّ عنهُ، فهو عاصٍ بِفِعْله ما نُهِيَ عنه، فَلْيَسْتغفِرِ الله، ولا يَعُدْ.
قال: ولا فرقَ بينهُ وبينَ القِسْمِ الأولِ في المعصيةِ، بل أُحِلَّ لهُ ما أُحِلَّ لَهُ، وحُرِّمَ عليهِ ما حُرِّمَ عليهِ، وما حُرِّمَ عليهِ غيرُ ما أُحِلّ لهُ، وما أُحِلّ لهُ
¬__________
= (332)، و"لسان العرب" (4/ 417) (مادة: شغر).
(¬1) "وذلك" زيادة من "ب".
(¬2) اشتمال الصَّماء: أن يردَّ الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر، ثم يردُّه ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيعطيهما جميعًا. أو: الاشتمال بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يضعه من أحد جانبيه، فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه. "القاموس" (مادة: صمم) (ص: 1019).
(¬3) روى البخاري (365)، كتاب: الصلاة في الثياب، باب: ما يستر العورة، عن أبي سعيد الخدري: أنه قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اشتمال الصَّمَّاء، وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد، ليس على فرجه منه شيء.
(¬4) تقدم تخريجه.
(¬5) روى الترمذي (1805)، كتاب: الأطعمة، باب: ما جاء في كراهية الأكل من وسط الطعام، وقال: حسن صحيح، وابن حبان في "صحيحه" (5245)، والحاكم في "المستدرك" (7118)، عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه".
وانظر: "الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (1/ 498).

الصفحة 93