كتاب التقاسيم والأنواع (اسم الجزء: 1)

ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْجَنَّةَ إِنَّمَا تَجِبُ لِمَنْ أَتَى بِمَا وَصَفْنَا مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ، وَقَرَنَ ذَلِكَ بِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي هِيَ أَعْمَالٌ بِالأَبْدَانِ، لَا أَنَّ مَنْ أَتَى بِالإِقْرَارِ دُونَ الْعَمَلِ تَجِبُ الْجَنَّةُ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ.
٨٢١ - أَخبَرنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الشَّرْقِيِّ، قَالَ: حَدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ زَاجٌ، قَالَ: حَدثنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ"، قَالَ: "فَمَا حَقُّهُمْ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "يَغْفِرُ لَهُمْ وَلَا يُعَذِّبُهُمْ".
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ وَاضِحٌ بِأَنَّ الأَخْبَارَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْلُ، كُلُّهَا مُخْتَصَرَةٌ غَيْرُ مُتَقَصَّاةٍ، وَأَنَّ بَعْضَ شُعَبِ الإِيمَانِ إِذَا أَتَى الْمَرْءُ بِهِ لَا تُوجِبُ لَهُ الْجَنَّةَ فِي دَائِمِ الأَوْقَاتِ، أَلَا تَرَاهُ، صَلى الله عَلَيه وسَلم، جَعَلَ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا؟ وَعِبَادَةُ اللهِ جَلَّ وَعَلَا إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وَتَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ، وَعَمَلٌ بِالأَرْكَانِ، ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ لَمَّا سَأَلُوهُ صَلى الله عَلَيه وسَلم عَنْ حَقِّهِمْ عَلَى اللهِ، فَقَالُوا: فَمَا حَقُّهُمْ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ وَلَمْ يَقُولُوا: فَمَا حَقُّهُمْ عَلَى اللهِ إِذَا قَالُوا ذَلِكَ، وَلَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ صَلى الله عَلَيه وسَلم هَذِهِ اللَّفْظَةَ، فَفِيمَا قُلْنَا أَبْيَنُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْجَنَّةَ لَا تَجِبُ لِمَنْ أَتَى بِبَعْضِ شُعَبِ الإِيمَانِ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ، بَلْ يُسْتَعْمَلُ كُلُّ خَبَرٍ فِي عُمُومِ مَا وَرَدَ خِطَابُهُ عَلَى حَسَبِ الْحَالِ فِيهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. [٢١٠]

الصفحة 544