كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 1)

والاختلاف؛ فإنهما كانا على نهج واحد من الطيب واللذة، ولو التزم الرجل أطعمة لا يوضع غيرها على مائدته، صح أن يقال: إن فلاناً لا يأكل إلا طعاماً واحداً، يراد بالواحد: ما لا يتبدل، ولا يختلف.
{فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ}:
الدعاء: الرغبة إلى الله، وسألوا موسى أن يدعو لهم؛ لأن دعاء الأنبياء-عليهم السلام- أقرب إلى الإجابة من دعاء غيرهم، وكذلك دعاء الصالحين؛ حيث يصدر من قلوب عامرة بتقوى الله وإجلاله، يلاقي من الإجابة ما لا يلاقيه فيه دعاء نفوس تستهويها الشهوات، ولا ترعى جلال الله حق رعايته.
{يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا}:
إخراج النبات: إظهاره بإيجاده، والمنبت له في الحقيقة هو الخالق - جلّ شأنه -. وإسناده إلى الأرض في قوله: {تُنْبِتُ الْأَرْضُ} أخذاً بعادة إسناده إلى الأرض على وجه المجاز. وإسناد الفعل إلى المكان الذي يقع فيه أسلوب عربي فصيح، والحقيقة في قوله تعالى: {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7].
والبقل: ما تنبته الأرض من الخضر مما يأكله الناس والأنعام. والمراد: ما يأكله الناس من نحو النعناع والكراث وشبهه.
والفُوم: الحنطة، قال الزجاج: لا خلاف عند أهل اللسان أن الفوم: الحنطة. وقال الكسائي: هي: الثوم، والعدس والبصل معروفان.
والظاهر من حال القوم: أن نفوسهم كرهت المنّ والسلوى، ورغبت في أن يكون البقل وما عُطف عليه بدلاً منهما. لا أن يرزقاه زيادة عليهما،

الصفحة 118