كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 1)
أن ينفذ فيها؛ كقولهم في آية أخرى: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ} [فصلت: 5]. ويرجع هذا إلى معنى: أنها لا تفقه شيئاً مما تقوله. وقصدوا بهذا إقناطه - عليه الصلاة والسلام - من إجابتهم لدعوته حتى لا يعيد عليهم الدعوة من بعد.
{لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ}:
هذا تكذيب لهم فيما زعموه من أن قلوبهم مستورة بأغطية تمنعها من الفهم.
والمعنى: أن قلوبهم ليست غلفاً بحيث لا تخلص إليها دعوة الحق، بل هي متمكنة بأصل فطرتها من قبول الحق، ولكن الله أبعدهم من رحمته، وأعمى أبصارهم؛ من أجل كفرهم بالأنبياء، وانصرافهم عن العمل بالكتاب الذي أنزل إليهم من قبل، فقيامُ حجة الله عليهم من جهة أنه خلقهم على الفطرة، والتمكن من الإيمان، غير مقسورين على الكفر، ثم إنهم استحبّوا الكفر على الإيمان.
{فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ}:
الفاء في قوله: {فَقَلِيلًا} للدلالة على أن ما بعدها متسبب عما قبلها، و (ما) في قوله: {فَقَلِيلًا مَا} لتأكيد معنى القلة. والمعنى: أن الله لعنهم، وكان هذا اللعن سبباً لقلة إيمانهم، فلا يؤمنون إلا إيماناً قليلاً، وقلة الإيمان ترجع إلى معنى أنهم لا يؤمنون إلا بقليل مما يجب عليهم الإيمان به، وقد وصفهم الله تعالى فيما سبق بأنهم كانوا يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض.
{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ}:
هذا تنبيه لنوع آخر من ضلالات اليهود الذين كانوا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -.