كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 1)
والكتاب: القرآن، ووصفه بكونه من عند الله إيماء إلى أن ما يوحي به الخالق- جل شأنه - جدير بأن يُتلقى بالقبول وحسن الطاعة. و {لِمَا مَعَهُمْ}؛ أي: مع اليهود: التوراة. ومعنى كون القرآن مصدقاً لما معهم من التوراة: أنه موافق لها فيها يختص ببعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ونعته.
{وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا}:
{يَسْتَفْتِحُونَ}: يستنصرون؛ من الاستفتاح، وهو طلب الفتح؛ أي: النصرة.
و {الَّذِينَ كَفَرُوا}: المشركون. وقد كان اليهود يستنصرون على أعدائهم من المشركين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل بعثته، فيقولون: اللهم انصرنا عليهم بالنبي الذي نجد نعته في التوراة. ولإيراد ما اشتملت عليه التوراة والإنجيل من النصوص الواردة في بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفته، مقامٌ غير هذا المقام.
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}:
{مَا عَرَفُوا}: نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو القرآن المشار إليه فيما سبق بقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}. ومعرفتهم للنبوة أو القرآن - أي: صدقهما- حصلت بنظرهم في علامات النبي الموعود به في التوراة وصفاته، ومعرفتهم لتحققها في النبي محمد - عليه الصلاة والسلام -.
وإيضاح هذا: أن انطباق العلامات والصفات الواردة في التوراة على النبي- صلوات الله عليه -، مع ما انضم إليه من آيات صدقه الأخرى، يجعل اليهود على معرفة لا يخالجها ريب بأن نبوته صادقة، وكتابه وحي سماوي، ولكن فوات ما كانوا يحرصون عليه من أن يكون خاتم النبيين منهم، ملأ قلوبهم غيظاً وحسداً، وأخذ هذا الغيظ والحسد يغالب تلك المعرفة حتى