كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 1)
بما أنزل الله؛ من كتابه الحكيم، ودينه القويم.
ويصح أن يفسر الاشتراء بمعناه الكثير في الاستعمال، فتكون أنفسهم - في زعمهم - مشتراة لا مبيعة؛ ذلك أن اليهود يظهرون التمسك باليهودية، وأنهم لو صدقوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، واتبعوه، لوقعوا في عقاب الله، ويدَّعون في ظاهر حالهم أن تكذيبهم له يخلِّصهم من العقاب، فكأنهم يقولون: اشترينا أنفسنا؛ أي: خلصناها من العقاب بتكذيب النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -. وهذا لا ينافي أنهم عرفوا في أنفسهم صدق نبوته.
{بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}:
البغي: الحسد والظلم. وقال بعض علماء اللغة: البغي أصله الحسد، ثم سُمي الظلم بغياً؛ لأن الحاسد يظلم المحسود بابتغائه إزالة النعمة عنه. وجاء في الآية منصوباً على أنه علة لقوله: {يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}. والفضل: الوحي.
والمحسود هو النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد حسدوه على النبوة لما لم يكن من بني إسرائيل، وكان من العرب من ولد إسماعيل. ولم يذكره في الآية على وجه التعيين؛ لعلمه من مساق النظم، وللتنبيه على أن الحسد في ذاته منكر مذموم كيفما كان حال المحسود. وقال: {عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}؛ ليكون أظهر دلالة على أن في الحسد معنى عدم الرضا بما يختاره الله لبعض عباده من خير.
{فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ}:
باؤوا: رجعوا، ولما كان كفر اليهود يتعدد؛ كما كفروا بعيسى - عليه السلام - وكفروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان كفرهم باقياً مستمراً، حق عليهم