كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 1)

والمعنى: ولبئس شيء باع به أولئك السحرة حظوظ أنفسهم تعلمُ ما يضر من السحر، والعملُ به، ولو كانوا من أهل العلم، أو لو كانوا يعلمون مذمومية الشراء المذكور، لامتنعوا عن ذلك. وأثبت لهم في الجملة السابقة العلم بأن من أقبل على السحر بدل كتاب الله ليس له في الجنة من نصيب، وهو يتضمن علمهم بقبح السحر، وأنه عمل مذموم؛ لأن الشراء المذكور لما كان موجباً للحرمان في الآخرة، كان مذموماً غاية الذم، ثم نفى عنهم في هذه الجملة علمهم بذلك؛ إذ قال: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، وهذا جار على الأسلوب المعروف في فنون البلاغة من أن العالِم بالشيء إذا لم يجر على موجب علمه قد ينزل منزلة الجاهل به، وينفى عنه العلم كما ينفى عن الجاهلين.
{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}:
هذه الجملة من قبيل تعقيب الوعيد بالوعد. والمثوبة: الثواب والأجر. والمعنى: ولو أن أولئك الذين يتعلمون السحر ويعلمونه آمنوا بالرسول المشار إليه بقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ}، أو بالقرآن والتوراة، واتقوا الله بامتثال ما أمر به، واجتنابِ ما نهى عنه، لأثيبوا، وثواب الله خير لهم من السحر، ولو كانوا من أولي العلم، لعلموا ذلك، واستبدلوا بالسحر ما هو خير منه.
* * *

الصفحة 189