كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 1)

قال أبو بكر الجصاص المتوفى سنة 370 في كتاب "الأحكام": "وزعم بعض المتأخرين من غير أهل الفقه أنه لا نسخ في شريعة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وأن جميع ما ذكر فيها من النسخ فإن المراد منه نسخ شرائع الأنبياء المتقدمين؛ كالسبت، والصلاة إلى المشرق". ثم قال: فارتكب هذا الرجل في الآي المنسوخة والناسخة، وفي أحكامها أموراً خرج بها عن أقاويل الأمة، مع تعسف المعاني واستكراهها.
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}:
الاستفهام للتقرير، والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو موجه بمعناه إلى أمته المسلمين. و (القدير) في صفات الله: المتمكن من أن يفعل ما يشاء على قدر ما تقتضيه الحكمة. ووجه اتصال هذه الجملة بحديث النسخ: أن النسخ إنما يكون بعد خلق أسباب يصير بها الشيء في وقتٍ مصلحةً، وفي وقت آخر مفسدة، ولا يخلق هذه الأسباب على الوجه المهيئ للنسخ، ويقرر الحكم الفاصل ملزماً به الناس، رضوا أم كرهوا، إلا القادر على كل شيء.
وذهب بعض الكاتبين في التفسير منذ عهد قريب إلى أن المراد من {آيَةٍ} وفي قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ}: المعجزة، لا آية الأحكام. وهذا الرأي مستقيم من جهة اللغة، ويساعده ما اتصل بالآية من قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، ولكن السلف منذ عهد الصحابة - رضي الله عنهم - تضافروا على تفسيرها بآية الأحكام، ولم ينقل عنهم - فيما علمنا - خلافٌ في ذلك.
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}:
هذه الجملة واقعة موقع الدليل على ما تضمنته الجملة السابقة من

الصفحة 195