كتاب بحوث في قضايا فقهية معاصرة

التابعين عدم جواز ذلك (1) ، وهو المروي عن الأئمة الأربعة. وهناك حديثان مرفوعان متعارضان، وفي إسناد كل واحد منهما ضعف: أما الحديث الأول، فقد أخرجه البيهقي بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: " لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج بني النضير من المدينة جاء ناس منهم، فقالوا: يا رسول الله, إنك أمرت بإخراجهم ولهم على الناس ديون لم تحل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ضعوا وتعجلوا " (2) .وهذا الحديث يدل على الجواز، ويعارضه ما أخرجه البيهقي في الباب اللاحق عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: " أسلفت رجلا مائة دينار، ثم خرج سهمي في بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: عجل لي تسعين دينارا، وأحط عشرة دنانير، فقال: نعم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أكلت ربا يا مقداد وأطعمته" (3) .وقد صرح البيهقي رحمه الله تعالى، بأن كل واحد من الحديثين ضعيف من جهة الإسناد، فلا تقوم بأي منهما حجة. ورجع جمهور الفقهاء جانب الحرمة، لأن زيادة الدين في مقابلة التأجيل ربا صراح، فكذلك الحط من الدين بإزاء التعجيل في معناه. أما قصة بني النضير، فليس فيها حجة، أما أولا: فلأن إسنادها ضعيف، وأما ثانيا، فلأنه لو ثبتت هذه القصة من جهة الإسناد، فيمكن أن يقال: إن قصة إجلاء بني النضير وقعت في السنة الثانية من الهجرة، وذلك قبل نزول حرمة الربا.
____________
(1) راجع آثارهم في موطأ الإمام مالك: 1/606؛ ومصنف عبد الرازق: 8/74_71.
(2) السنن الكبري للبيهقي: 6/28، كتاب البيوع، باب من عجل له أدنى من حقه.
(3) السنن الكبرى، للبيهقي: 6/28.

الصفحة 26