كتاب بحوث في قضايا فقهية معاصرة

ومن المعلوم أن الإفلاس القانوني حالة نهائية لا توجد إلا نادرا. ومن المتيقن أن هناك كثيرا من الذين لم يحكم عليهم بالإفلاس، ولكنهم معسرون بكل معنى الكلمة.
وحينئذ، كيف يمكن أن يقال: إن المصارف الإسلامية لا تطالب بالتعويض في حالة إعسار المدين؟ ومن المعلوم أيضا أن من أقرض إنسانا بفائدة ربوية، فإنه لا يصح له في حالة إفلاس المقترض إلا أن يأخذ بقدر ما وجد عنده، فلم يبق في هذا المجال فرق يعتد به بين تقاضي الفائدة ومطالبة التعويض. أما الفارق الثاني: وهو محاسبة التعويض بعد شهر من حلول الأجل، فإنه على تقدير كونه معمولا به في المصارف، فرق صحيح، ولكنه لا يعدو من أن يكون فرقا لمدة شهر فحسب. وأما الفارق الثالث والرابع، وهو كون وجوب التعويض متوقفا على حصول الأرباح في مدة المماطلة، وكون نسبة التعويض غير معلومة من جهة كونها مبنية على نسبة الأرباح، فإن هذا الفرق صحيح نظريا، ولكن إذا نظرنا من الناحية العملية، رأينا أن معظم عمليات المصارف الإسلامية تدور حول المرابحة المؤجلة، وإن تحقق الربح ونسبته في هذه العمليات معروفة لدى المصرف ولدى عملائه، فأصبحت نسبة التعويض معروفة لدى الفريقين عملا.
ثم إن معظم المصارف الإسلامية تحاسب أرباحها بعد كل ستة أشهر. فلا تكون الأرباح معلومة بالضبط إلا عند نهاية كل فترة، فلو كانت مدة المماطلة في أثناء هذه الفترة، كيف تعرف الأرباح الحاصلة في هذه الفترة بالضبط؟ وإن أصحاب الودائع الذين يخرجون من المصرف قبل نهاية الفترة، إنما يعطون كدفعة تحت الحساب، وتصير هذه الدفعة تابعة للتصفية الأخيرة عند نهاية الفترة. فهل يكون التعويض المطالب به في أثناء الفترة تابعا للتصفية النهائية

الصفحة 43