كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر (اسم الجزء: 1)
والِاسْتِبْضَاعُ: نَوْعٌ مِنْ نِكَاحِ الجاهليَّة، وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنَ البُضْع: الْجِمَاعُ. وَذَلِكَ أَنْ تَطْلُبَ الْمَرْأَةُ جِمَاعَ الرجُل لتنالَ مِنْهُ الْوَلَدَ فَقَطْ. كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَقُولُ لِأَمَتِهِ أَوِ امْرَأَتِهِ: أرْسِلي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ، ويَعْتَزِلُها فَلَا يَمسُّها حَتَّى يَتَبَيَّن حملُها مِنْ ذَلِكَ الرجُل. وَإِنَّمَا يُفْعل ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نجَابة الوَلد.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ عَبْدَ اللَّه أَبَا النبيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ بِامْرَأَةٍ فدَعَتْه إِلَى أَنْ يَسْتَبْضِعَ مِنْهَا» .
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «وَلَهُ حَصَّنني رَبِّي مِنْ كُلِّ بُضْع» أَيْ مِنْ كُلِّ نِكَاحٍ، وَالْهَاءُ فِي لَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ تَزَوَّجَهَا بِكْرًا مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ. والبُضْع يطْلق عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْجِمَاعِ مَعاً، وَعَلَى الفَرْج.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ أمَر بِلاَلاً فَقَالَ: أَلَا مَن أَصَابَ حُبْلَى فَلَا يَقْرَبَنَّها فَإِنَّ البُضْعَ يَزيد فِي السَّمع والبَصر» أَيِ الْجِمَاعَ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وبُضْعُهُ أهلَه صَدَقةٌ» أَيْ مُباشَرتُه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ «وبَضِيعَتُهُ أهلَه صَدَقةٌ» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «عَتَق بُضْعُكِ فَاخْتَارِي» أَيْ صَارَ فَرْجُك بالعِتْق حُراً فَاخْتَارِي الثَّبَاتَ عَلَى زَوْجِك أَوْ مُفَارَقَته.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ خَدِيجَةَ «لمَّا تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا عَمْرو بْنُ أَسَدٍ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: هَذَا البُضْعُ الَّذِي لَا يُقْرَع أنفُه» يُرِيدُ هَذَا الْكُفء الَّذِي لَا يُرَدّ نكاحُه، وَأَصْلُهُ فِي الْإِبِلِ أَنَّ الْفَحْلَ الهَجين إِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْرب كَرَائِمَ الْإِبِلِ قَرعُوا أنْفَه بِعَصاً أَوْ غَيْرَهَا ليرْتَدَّ عَنْهَا ويَتْرُكَها.
وَفِي الْحَدِيثِ «فاطمةُ بَضْعَةٌ مِنِّي» البَضْعة بِالْفَتْحِ: الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ، وَقَدْ تُكْسَرُ، أَيْ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنِّي، كَمَا أَنَّ الْقِطْعَةَ مِنَ اللَّحْمِ جُزْءٌ مِنَ اللَّحْمِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُل صَلَاةَ الْوَاحِدِ بِبِضْع وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» البِضْع فِي الْعَدَدِ بِالْكَسْرِ، وَقَدْ يُفْتح، مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التّسْع. وَقِيلَ مَا بَيْنَ الْوَاحِدِ إِلَى الْعَشَرَةِ، لِأَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنَ العَدد.
الصفحة 133