كتاب مقارنة المرويات (اسم الجزء: 1)

وعلى صاحبه، فهل يصح أن أطالب بتتبع أخطاء الآخرين، وأقوم بتصحيحها؟ .
وهذا كلام مرفوض من أساسه، فالبحث العلمي لا يتجزأ، وما يقع في المصادر من أخطاء عهدتها على المصدر وصاحبه قبل أن تنقل ما فيه إلى بحثك، أما بعد نقله فعهدة ذلك عليك بلا شك، وحسب الباحث أن ينوء بما يقع فيه هو من سهو وخطأ، فإذا ضم إليه نقله لأخطاء الآخرين، تراكمت الأخطاء في بحثه، وفقد القارئ ثقته بالباحث.
وأنا مدرك تمام الإدراك لصعوبة المهمة، ومدى ما يلاقيه الباحث المتيقظ من جهد وعناء، في سبيل مراجعة الأسانيد، والنصوص، بحيث يمكن القول بأن ثلث جهد الباحث أو يزيد يستنفد وراءها، يضاف إلى ذلك ما يتطلبه الأمر أحيانا من مراجعة عدة طبعات للكتاب الواحد، ومراجعة شروحه، والناقلين عنه، بل مراجعة مخطوطات الكتب المطبوعة.
وقيام الباحث الجاد بمثل هذه الأعمال فوق أنه سبيل مهم لإتقان البحث، وكسب ثقة القارئ، فهو أيضا مجال رحب للتدرب على اكتشاف الخطأ ومعالجته.
وقضايا البحث العلمي ليست هبات توزع، أو حقوقا شخصية يتنازل عنها، فقد شاء الله تعالى للمتخصصين في السنة النبوية أن يكون هذا من صميم تخصصهم، وسيرى القارئ هذا بوضوح في مباحث لاحقة، ومن لم يوطن نفسه على تحمل هذا وتبعاته، فإن فنون العلم واسعة جدا، يختار منها ما يشاء، بل إن مسالك الحياة واسعة أيضا، يختار منها ما يشاء.

الصفحة 118