كتاب مقارنة المرويات (اسم الجزء: 1)

وضوابط، حرصت فيها على الإكثار من الأمثلة التطبيقية لكل قضية أتناولها، تكون مفتاحا لطالب العلم، ينطلق منها إلى التطبيق على أمثلة أخرى قد تمر به في بحوثه، فإن مجرد التنظير وشرح القواعد والضوابط غير كاف أبدا، فلا بد -بعد معرفتها- من طول الممارسة، والصبر، والأناة، لتتكون لدى الباحث ملكة يستطيع بها معرفة اختلاف الأسانيد واتفاقها، ثم كيفية عرض هذه الأسانيد وهذه الطرق للقارئ، مع فهم كلام النقاد حولها، وحسن الاستدلال به في موضعه، فإن نقد المرويات ذوق يرزقه الشخص إذا أخذ بأسبابه، وهو الذي كان النقاد يعبرون عنه بأنه إلهام أو كهانة (¬١)، ويقصدون به أنه مجموعة من المعارف يتم توظيفها في لحظة معينة، للحكم على حديث، وغير المشارك لهم في هذه المعارف لا يتقبل ذهنه ما يصدر عنهم من أحكام، أو ما يسيرون عليه من قواعد.
فالمطلوب إذن من الناقد للسنة في العصور المتأخرة هو النظر في الطرق، وكثرة الممارسة، وإدمان القراءة في كتب النقاد، ليستطيع مشاركة النقاد في هذا العلم، بالقدر الذي تؤدي إليه الأسباب الممكنة، وهو -كما تقدم- إدراك الاتفاق والاختلاف في الأسانيد، وتشعبها، وعرض الروايات بعضها على بعض، وحسن عرض ذلك وتلخيصه عند الحاجة، مع فهم كلام النقاد، وعدم النفرة منه، ووضعه في مكانه المناسب له، وترتيبه، وشرحه، والاستدلال له، وقد يحتاج الباحث إلى تطبيق قواعدهم وما يسيرون عليه في مواقف لم يجد لهم فيها
---------------
(¬١) انظر: «الجرح والتعديل» ١: ٣٤٩، و «علل ابن أبي حاتم» ١: ١٠، و «معرفة علوم الحديث» ص ١١٣، و «الجامع لأخلاق الراوي» ٢: ٢٥٥.

الصفحة 14