كتاب المفاتيح في شرح المصابيح (اسم الجزء: 1)

ومذهب أبي حنيفة رحمه الله: الاستطاعة هي الزاد والراحلة والقوة، فلا يجوزُ عنده أن يحجَّ أحدٌ من أحدٍ ما دام حيًا، وإن كان ضعيفًا.
ومذهب مالك: الاستطاعة القوة فقط.
(الاستطاعة): استفعالٌ من (طاع يطوع): إذا سهل الأمر.
ولكل واحد من هذه الأركان شروط وفروض وسنن، وليس هذا موضع بيان استيفائها؛ لأنه يأتي كل واحد في بابه في هذا الكتاب، ولأنها مذكورة في كتب الفقه.
قوله: "فأخبرني عن الإحسان": حَسُنَ الشيء بنفسه: إذا جَمُل، وأحسنه غيره: إذا أجمله وزينه، ومصدره: الإحسان.
يعني: قال جبريل للنبي عليهما السلام: أخبرني عن الشيء الذي هو تزيينُ أركانِ الإسلام وإحسانُها وإكمالُها.
فقال النبي عليه السلام: "أن تعبد الله كأنك تراه"؛ يعني: الشيء الذي يُكمِل أركانَ الإسلام ويحسنها هو الإخلاص، والإخلاص: أن تقف في عبادة الله تعالى كأنك تراه؛ يعني: تحضر قلبك، ولا تلتفت بقلبك إلى وسوسةٍ مشاغلةٍ لك، ولا يجري بخاطرك: أنك تصلي أو تصوم ليراك أحد، وليقول الناس: إنك رجل صالح متعبد، ولا تنظرْ بعينك إلى يمينك وشمالك، ولا تعبثْ بيدك، ولا تخطو برجليك؛ لأن من يرى مولاه حاضرًا يغلب عليه خوفٌ بحيث لا يقدر على شيء من هذه الأشياء، ومن وقفَ بين يدي سلطان، والسلطانُ ينظر إليه، يتغيَّر وجهه من الخوف، وتقلُّ قوى يديه ورجليه من الخوف، ولا يقدر أن يدفع الذباب من وجهه من الخوف، فإذا كان هذه حال واقفٍ بين يدي مخلوقٍ، فكيف كان حال واقفٍ بين يدي خالق المخلوقات؟
قوله: "فإن لم تكن تراه فإنه يراك"؛ يعني: لا تقصِّرْ في العبودية،

الصفحة 47