كتاب شرح المصابيح لابن الملك (اسم الجزء: 1)

"وتحج البيت"؛ أي: تقصده؛ إذ الحجُّ لغة: القصد مطلقًا، وشرعاً: قصد معين، وهو زيارة الكعبة مع وقوف عرفة ومراعاة أركان الحج، و (البيت): اسم جنس، ثم غلب على الكعبة - شرفها الله تعالى - كالعَلَم لها.
"إن استطعت إليه"؛ أي: إلى البيت، أو إلى الحج؛ لدلالة (تحج) عليه، وهو متعلق بـ (سبيلاً)؛ لأنه بمعنى: موصل ومبلغ.
"سبيلاً": تمييز أو مفعول به، والكلامُ في الاستطاعة مذكورٌ في الفروع.
"قال: صدقت"، قيل في انحصار الأركان في الخمسة: إن الأعمال الشرعية؛ إما قولية وهي الإقرار باللسان، أو فعلية وهي إما إتيان وهو الصلاة، أو ترك وهو الصوم، وإما مالية وهي الزكاة، وإما جامعة للنفس والمال وهو الحج.
وفي قوله: (فأخبرني عن الإسلام) بفاء التعقيب إشارةٌ إلى أن الإيمان والإسلام شيئان متباينان؛ لأن سؤله عن الإسلامِ بعطف الفاء بعد سؤله عن الإيمان، وجوابه - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان بما بطن من الاعتقاد، وعن الإسلام بما ظهر من الأعمال = دليلٌ واضح على تغايرهما؛ فالإيمانُ تصديقُ القلب للأشياء الستة، والإسلامُ أعمالُ الجوارح.
وذهب بعض المحدثين وجمهور المعتزلة إلى أنهما عبارتان عن شيء واحد، وهو مجموع التصديق بالجنان، والإقرار باللسان، والعمل بالأركان.
"قال: فأخبرني عن الإحسان"، يقال: (أحسن الشيء): إذا زينه وأجمله، كانه يقول: أخبرني عن الشيء الذي يزين أركان الإسلام ويحسِّنها، والمراد به: الإخلاص، فأشار - صلى الله عليه وسلم - في جوابه إلى حسن الاستقامة على حسب الطاقة بأن "قال: الإحسانُ أن تعبدَ الله كأنك تراه"، وإلى المراقبة وحسن الطاقة بقوله: "فإن لم تكن تراه فإنه يراك"؛ يعني: الإحسان عبادته تعالى على نعت الهيبة والتعظيم له

الصفحة 24