كتاب شرح المصابيح لابن الملك (اسم الجزء: 1)

لعلمه أن السلامة في امتثال أمره - صلى الله عليه وسلم -، لا بالحب الاختياري الطَّبْعي؛ لأن حب الإنسان نفسَه وولده ووالده أمرٌ غريزي ولا سبيل إلى قلبه، إذ لا تكلَّفُ نفس إلا وسعها.
* * *

6 - وقال: "ثلاث مَنْ كُنَّ فيهِ وجدَ حَلاوةَ الإيمانِ: مَنْ كانَ الله ورسولُهُ أحبَّ إليهِ ممَّا سِواهُما، ومَنْ أحبَّ عبداً لا يُحبُّهُ إلا لله، ومَنْ يكرهُ أنْ يَعُودَ في الكُفْر بعدَ إذْ أنقذَهُ الله منهُ كما يكرهُ أنْ يُلقى في النَّارِ"، رواه أنس.
"وعنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثلاث"؛ أي: ثلاث خصال "من كن فيه"؛ أي: من اجتمعت فيه هذه الخصال "وجد حلاوة الإيمان" وهي استلذاذ الطاعة وتحمُّل المشاق في طلب رضاه.
"من كان الله ورسوله أحب إليه": بالحب الاختياري المذكور "مما سواهما" وإنما لم يقل: ممن سواهما؛ لتعمَّ ذا لعقل وغيره، وإنما ثنَّى الضمير فيه مع أنه ذم - صلى الله عليه وسلم - رجلاً خطب بحضرته فقال: ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى، إيذانًا بأن وجدان الحلاوة يتوقف على المحبتين معًا، وأن إحداهما بدون الأخرى غير مفيدة، وثَمَّ إرشاد بأن كل واحد من العصيانين مستقل في تحصيل الغواية.
"ومن أحب عبداً" أراد به الموسوم بعبودية الله أعم من الحر والمملوك.
"لا يحبه إلا لله" فالاستثناء مفرَّغٌ، ولا يَرِدُ الاعتراض بقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة في حق أسامة: "أحبيه فإني أحبه"؛ لأنه لا منافاة بينهما؛ لأن محبة الشيء لأجل محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأجل الله؛ لأن محبتهما متلازمان.
"ومن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه"؛ أي: أنجاه من الكفر.

الصفحة 31