كتاب شرح المصابيح لابن الملك (اسم الجزء: 1)

اعلم أنه إن أُريدَ بالعود العودُ الحقيقي وهو الرجوع إلى الكفر، لم يتناول هذا إلا مَن كان له سابقة كفر، ويكون تخويفًا للصحابة؛ لأنهم كانوا كفاراً فأسلموا، وفي نفوس بعضهم حب ما اعتاده من قبلُ، فحذرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، وإن أريد به مجرد المصير والتحول، كقوله تعالى في قصة شعيب: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف: 88] فهو شامل للكل.
"كما يكره أن يلقى في النار" وفيه تنبيه على أن الكفر كالنار، وهو كذلك لأنه جازّ إليها، فباعتبار عدم كونه ناراً حقيقةً جعله مشبَّها وجعل النار الحقيقية مشبَّها بها؛ إذ العود إليه كالإلقاء فيها؛ لأن عاقبة الكفار دخول النار.
* * *

7 - وقال: "ذاقَ طعْمَ الإِيمانِ مَنْ رضيَ بالله ربًّا وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً"، رواه العبَّاس بن عبد المطَّلِب.
"وعن العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ذاق طعم الإيمان" أثبت للإيمان طعماً بطريق الاستعارة وذكر (¬1) الذوق الذي هو يلائم المستعار منه؛ فالاستعارة ترشيحية؛ أي: وجد الإيمان.
"من رضي بالله"؛ أي: اكتفى به "رباً"، ولم يتخذ إلهًا غيره، نصب على التمييز.
"وبالإسلام دينًا"؛ أي: رضي بكون الإسلام دينه ولم يبتغ دينًا غيره.
"وبمحمد رسولاً"؛ أي: رضي من الرسل والأنبياء بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولم يتخذ سواه رسوله ونبيه، فالحاصل أنه لا بد في الإيمان من الرضاء بكل واحد من
¬__________
(¬1) في "غ": "وذلك".

الصفحة 32