كتاب شرح المصابيح لابن الملك (اسم الجزء: 1)

"فقالت: ربي! كلَ بعضي بعضاً"، اشتكاؤها من أكلِ بعضها بعضاً مَجازٌ عن كثرتها وغليانها بحيث يَضيق عنها مكانُها، فيسعى كل جزء منها في إفناء الآخر واستيلائه على مكانها.
"فأذِنَ لها بنفَسَين"، نفسُها لهبُها وخروجُ ما يَظهَرُ منها.
"نَفَسٍ في الشتاء، ونَفَسٍ في الصيف، أشدُّ"، بالرفع خبر مبتدأ محذوف؛ أي: ذلك أشدّ "ما تَجِدون من الحَرِّ"، بيان الماء الموصول من حرها؛ أي: حرِّ نار جهنم، وروي: بنصب (أشدَّ) صفة لـ (نَفَسَين) أو بدلًا عنه.
"وأشدُّ ما تَجدون من الزَّمْهَرِير"؛ وهو البرد الشديد من زَمْهَريرها، فعُلم منه أن في النار شدةَ الحَرِّ وشدةَ البرد.
قيل: كلٌّ منهما طبقةٌ من طبقات الجحيم، وهذا من جملة الحكمة الإلهية، حيث أظهر آثار الفيح في زمان الحَرِّ، وآثار الزَّمْهَرير في زمان الشتاء لتعودَ الأمزجة بالحَرِّ والبرد، فلو انعكس لم يتحمَّلْه، أو لأن الباطن في الصيف بارد فيقاوم حَرَّ الظاهر، وفي الشتاء حَرٌّ فيقاوم برد الظاهر.
وأما اختلاف حَرِّ الصيف وبرد الشتاء في بعض الأيام فلعله تعالى يأمر بأن تُحفظ تلك الحرارة في موضع، ثم يرسلَها على التدريج حفظاً لأبدانهم وأشجارهم، وكذلك البرد.
* * *

409 - وقال أنس - رضي الله عنه -: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي العَصْرَ والشَّمْسُ مُرتفِعة حيَّة، فيذهبُ الذَّاهبُ إلى العَوالي، فيأْتيهِمْ والشَّمْسُ مُرتفعة، وبعضُ العَوالي مِنَ المدينةِ على أربعةِ أمْيالٍ أو نحوِهِ.
"وقال أنسٌ: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصلِّي العصر

الصفحة 372