كتاب شرح المصابيح لابن الملك (اسم الجزء: 1)

فمه - صلى الله عليه وسلم - أو صدره أو قلبه، وهي استعارة تخييلية، أو المراد بالتقوى نفسُهُ مبالغةً.
"مما أوردها"؛ أي: اهتمَّ بها "الأئمة" في كتبهم.
"جمعتُها للمنقطعين إلى العبادة"؛ أي: لمن انقطع عن الدنيا، وتوجَّه إلى العبادة، فمَنْ هذه صفته لا بد له من معرفة الأحاديث؛ إذ لا يمكنه سلوكُ هذا السبيل إلا بدليل حاذق يقتدي به في أفعاله وأقواله وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا سبيلَ إلى معرفة أفعاله وأقواله بعد الصحابة إلا بتتبع الأحاديث، فمن حُرِمها حُرِمَ خيرَ الدنيا والآخرة، ومن رُزِق منها رزق حظاً كاملاً من خيرها.
"لتكون"؛ أي: الأحاديث المذكورة.
"لهم"؛ أي: للمنقطعين إليها.
"بعد كتاب الله تعالى"؛ أي: القرآن. فيه إشارةٌ إلى أن العناية به مقدمة على العناية بالسنة.
"حظاً من السنن"؛ أي: نصيباً من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن من علم القرآن وعمل به، ولم يعمل بالأحاديث، لم يكن حظه تاماً؛ لأن أحكام الشريعة من الأمر والنهي والحلال والحرام وغيرها من الأحوال والأهوال ليس كلُّها مذكوراً في القرآن، بل بعضها مذكور فيه، وبعضها غير مذكور.
والدليل عليه ما قال - صلى الله عليه وسلم -: "أيحسب أحدُكم متكئاً على أريكته، [قد] يظنُّ أنَّ الله تعالى لم يحرِّم شيئاً إلا [ما] في [هذا] القرآن، ألا وإني والله قد أمرتُ ووعظتُ ونهيتُ عن أشياء إنها كمثلِ القرآنِ أو أكثر" (¬1).
"وعوناً"؛ أي: معينة لهم.
"على ما هم فيه من الطاعة": بتعلمهم كيفية العبادة، وقدر وظائف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصوم والصلاة وغير ذلك، فإن العملَ بسنةٍ من سنن رسول الله يتضاعف ثوابه - وإن كانت قليلة - على عبادة ليست بسنة، وإن كانت كثيرة.
¬__________
(¬1) رواه أبو داود (3050)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 204)، عن العِرباض بن سارية - رضي الله عنه -.

الصفحة 9