كتاب تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (اسم الجزء: 1)

" وعن ابن عباس قال: بينا جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع نقيضا من فوقه , فرفع رأسه " الحديث.
" بينا جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم ", أي: بين أوقات وحالات كان هو عنده , والعامل فيه: " سمع نقيضا " أي: صوتا , ويكثر استعماله في صوت الرحال والمحامل , والإنقاض: التصويت , والضمائر الثلاثة التي في (سمع) و (رفع) و (قال): راجعة إلى جبريل , لأنه أكثر اطلاعا على أحوال السماء , وأحق بالإخبار عنها , ولما اتفق له – عليه السلام – في ذلك اليوم [من] معارفة واتصال بملك لم يكن له معه سابقة عرفان , ولا لمن قبله من الأنبياء عليهم السلام , وأوحي إليه بالبشرى العظيمة التي احتص بها , كان ذلك فتح باب سماوي لم يفتح قبله , لا عليه ولا على غيره.
وإنما سماهما:" نورين " لأن كلا منهما يكون لصاحبه في القيامة نورا يسعى أمامه , أو لأنه يرشده ويهديه بالتأمل فيه والتفكر في معانيه إلى الطريق القويم والمنهج المستقيم , وذلك لاشتمالهما على جملة ما تحويه الكتب السماوية من الحكم النظرية والأحكام العلمية والتصفية الروحانية , وبيان أحوال السعداء والأشقياء والترغيب على الطاعة والترهيب عن المعاصي بالوعد والوعيد إجمالا , مع السؤال بشرطه لما فيه صلاح الدارين والفوز بالحسنين , فلذلك بشر

الصفحة 527