كتاب تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (اسم الجزء: 1)

ولم يبال بها فعلى خلاف ذلك , لأن كل ما يحاوله الإنسان إما أن يكون أمرا بينه وبين الله تعالى لا يتعلق بغيره , وإما أن يكون أمرا دائرا بينه وبين سائر الناس عامة , أو بينه وبين خاصته من أقاربه وأهل منزله , والقرآن وصلة بينه وبين ربه , فمن راعى أحكامه , واتبع ظواهره وبواطنه فقد أدى حقوق الربوبية , وأتى بما هو وظائف العبودية.
و" الأمانة": تعم الناس كلهم , فإن دماءهم وأعراضهم وأموالهم وسائر حقوقهم أمانات فيما بينهم , فمن قام بحقها فقد أقام العدل , وجانب المظالم رأسا , ومن وصل الرحم , وراقب الأقارب , ودفع عنهم المخاوف , وأحسن إليهم بما أنعم الله عليه , وأعانهم فيما يهم لهم من أمري الدين والدنيا ما أمكنه واستطاع = فقد أدى حقه وخرج عن عهدته , ولما كان القرآن منها أعظم قدرا وأرفع منارا , وكان العمل به والقيام بحقه والامتثال لحكمه يشتمل على القيام بالأمرين الآخرين , والمحافظة عليهما قدم ذكره , وأخبر عنه بأنه " يحاج العباد " أي: يخاصمهم فيما ضيعوه وأعرضوا عن حدوده وأحكامه , ولم يلتفتوا إلى مواعظه وأمثاله , سواء ما ظهر منها معناها واستغنى عن التأويل , أو خفي واحتاج إلى مزيد كلفة في إبراز ما هو المقصود منه , وأخر الرحم لأنه أخصها , وأفرد بالذكر – وإن اشتمل على محافظته

الصفحة 531