كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 1)

" صفحة رقم 159 "
في أول كل سورة ذكرت فيها ، وكذلك ) المص ( و ) طسم ( وأخواتها و ) طه ( و ) يس ( و ) حم ( وأخواتها إلا ) حم عسق ( فإنها آيتان و ) كهيعص ( آية ، وأما ) المر ( وأخواتها فليست بآية ، وكذلك ) طس ( و ) ص ( و ) ق ( و ) ن ( و ) القلم ( وق وص حروف دل كل حرف منها على كلمة ، وجعلوا الكلمة آية ، كما عدوا : ) مُّقْتَدِرِ الرَّحْمَنُ ( ) ومدهامتان ( آيتيين . وقال البصريون وغيرهم : ليس شيء من ذلك آية . وذكر المفسرون الاقتصار على هذه الحروف في أوائل السور ، وأن ذلك الاقتصار كان لوجوه ذكروها لا يقوم على شيء منها برهان فتركت ذكرها . وذكروا أن التركيب من هذه الحروف انتهى إلى خمسة ، وهو : كهيعص ، لأنه أقصى ما يتركب منه الإسم المجرد ، وقطع ابن القعقاع ألف لام ميم حرفاً حرفاً بوقفة وقفة ، وكذلك سائر حروف التهجي من الفواتح ، وبين النون من طسم ويس وعسق ونون إلا في طس تلك فإنه لم يظهر ، وذلك اسم مشار بعيد ، ويصح أن يكون في قوله ) الم ذالِكَ الْكِتَابُ ( على بابه فيحمل عليه ولا حاجة إلى إطلاقه بمعنى هذا ، كما ذهب إليه بعضهم فيكون للقريب ، فإذا حملناه على موضوعه فالمشار إليه ما نزل بمكة من القرآن ، قاله ابن كيسان وغيره ، أو التوراة والإنجيل ، قاله عكرمة ، أو ما في اللوح المحفوظ ، قاله ابن حبيب ، أو ما وعد به نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ) من أنه ينزل إليه كتاباً لا يمحوه الماء ولا يخلق على كثرة الرد ، قاله ابن عباس ، أو الكتاب الذي وعد به يوم الميثاق ، قاله عطاء بن السائب ، أو الكتاب الذي ذكرته في التوراة والإنجيل ، قاله ابن رئاب ، أو الذي لم ينزل من القرآن ، أو البعد بالنسبة إلى الغاية التي بين المنزل والمنزل إليه ، أو ذلك إشارة إلى حروف المعجم التي تحديتكم بالنظم منها .
وسمعت الأستاذ أبا جعفر بن إبراهيم بن الزبير شيخنا يقول : ذلك إشارة إلى الصراط في قوله : ) اهْدِنَا الصّرَاطَ ( ، كأنهم لما سألوا الهداية إلى الصراط المستقيم قيل لهم : ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه هو الكتاب . وبهذا الذي ذكره الأستاذ تبين وجه ارتباط سورة البقرة بسورة الحمد ، وهذا القول أولى لأنه إشارة إلى شيء سبق ذكره ، لا إلى شيء لم يجر له ذكر ، وقد ركبوا وجوهاً من الإعراب في قوله : ) ذالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ). والذي نختاره منها أن قوله : ) ذالِكَ الْكِتَابُ ( جملة مستقلة من مبتدأ وخبر ، لأنه متى أمكن حمل الكلام على غير إضمار ولا افتقار ، كان أولى أن يسلك به الإضمار والافتقار ، وهكذا تكون عادتنا في إعراب القرآن ، لا نسلك فيه إلا الحمل على أحسن الوجوه ، وأبعدها من التكلف ، وأسوغها في لسان العرب . ولسنا كمن جعل كلام الله تعالى كشعر امرىء القيس ، وشعر الأعشى ، يحمله جميع ما يحتمله اللفظ من وجوه الاحتمالات . فكما أن كلام الله من أفصح كلام ، فكذلك ينبغي إعرابه أن يحمل على أفصح الوجوه ، هذا على أنا إنما نذكر كثيراً مما ذكروه لينظر فيه ، فربما يظهر لبعض المتأملين ترجيح شيء منه ، فقالوا : يجوز أن يكون ذلك خبر المبتدأ محذوف تقديره هو ذلك الكتاب ، والكتاب صفة أو بدل أو عطف بيان ، ويحتمل أن يكون مبتدأ وما بعده خبراً . وفي موضع خبر ) الم ( ) وَلاَ رَيْبَ ( جملة تحتمل الاستئناف ، فلا يكون لها موضع من الإعراب ، وأن تكون في موضع خبر لذلك ، والكتاب صفة أو بدل أو عطف أو خبر بعد خبر ، إذا كان الكتاب خبراً ، وقلت بتعدد الأخبار التي ليست في معنى خبر واحد ، وهذا أولى بالبعد لتباين

الصفحة 159