كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 1)

" صفحة رقم 170 "
رب هذا النجم ، وإن كان رب كل شيء ، لأن هذا النجم عُبِد من دون الله واتُّخذ إلهاً ، فأتى به لينبه بأن الله مستبد بكونه رباً لهذا المعبود ، ومن دونه لا يشاركه في ذلك أحد . والألف واللام في المفلحون لتعريف العهد في الخارج أو في الذهن ، وذلك أنك إذا قلت : زيد المنطلق ، فالمخاطب يعرف وجود ذات صدر منها انطلاق ، ويعرف زيداً ويجهل نسبة الانطلاق إليه ، وأنت تعرف كل ذلك فتقول له : زيد المنطلق ، فتفيده معرفة النسبة التي كان يجهلها ، ودخلت هو فيه إذا قلت : زيد هو المنطلق ، لتأكيد النسبة ، وإنما تؤكد النسبة عند توهم أن المخاطب يشك فيها أو ينازع أو يتوهم الشركة .
وذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات من قوله تعالى : ) الم ( إلى قوله : ) الْمُفْلِحُونَ ( أقوالاً : أحدها : أنها نزلت في مؤمني أهل الكتاب دون غيرهم ، وهو قول ابن عباس وجماعة . الثاني : نزلت في جميع المؤمنين ، قاله مجاهد .
وذكروا في هذه الآية من ضروب الفصاحة أنواعاً : الأول : حسن الافتتاح ، وأنه تعالى افتتح بما فيه غموض ودقة لتنبيه السامع على النظر والفكر والاستنباط . الثاني : الإشارة في قوله ذلك أدخل اللام إشارة إلى بعد المنازل . الثالث : معدول الخطاب في قوله تعالى : ) لاَ رَيْبَ فِيهِ ( صيغته خبر ومعناه أمر ، وقد مضى الكلام فيه . الرابع : الاختصاص هو في قوله ) هُدًى لّلْمُتَّقِينَ ). الخامس : التكرار في قوله تعالى : ) يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ( ، ( يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ( ، وفي قوله : ) الَّذِينَ ( ، ( وَالَّذِينَ ( إن كان الموصوف واحداً فهو تكرار اللفظ والمعنى ، وإن كان مختلفاً كان من تكرار اللفظ دون المعنى ، ومن التكرار ) أُوْلَائِكَ ( ، ( وَأُوْلئِكَ ). السادس : تأكيد المظهر بالمضمر في قوله : ) وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( ، وفي قوله : ) هُمْ يُوقِنُونَ ). السابع : الحذف ، وهو في مواضع أحدها هذه ألم عند من يقدر ذلك ، وهو هدى ، وينفقون في الطاعة ، وما أنزل إليك من القرآن ، ومن قبلك ، أي قبل إرسالك ، أو قبل الإنزال ، وبالآخرة ، أي بجزاء الآخرة ، ويوقنون بالمصير إليها ، وعلى هدى ، أي أسباب هدى ، أو على نور هدى ، والمفلحون ، أي الباقون في نعيم الآخرة .
2 ( ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ( )
البقرة : ( 6 ) إن الذين كفروا . . . . .
2
) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاء عَلَيْهِمْ ( ، إن : حرف توكيد يتشبث بالجملة المتضمنة الإسناد الخبري ، فينصب المسند إليه ، ويرتفع المسند وجوباً عند الجمهور ، ولها ولأخواتها باب معقود في النحو . وتأتي أيضاً حرف جواب بمعنى نعم خلافاً لمن منع ذلك . الكفر : الستر ، ولهذا قيل : كافر للبحر ، ومغيب الشمس ، والزارع ، والدافن ، والليل ، والمتكفر ، والمتسلح . فبينها كلها قدر مشترك وهو الستر ، سواء اسم بمعنى استواء مصدر استوى ، ووصف به بمعنى مستو ، فتحمل الضمير . قالوا : مررت برجل سواء ، والعدم قالوا : أصله العدل ، قال زهير : يسوي بينها فيها السواء

الصفحة 170