كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 1)

" صفحة رقم 625 "
أحدهما : أن نفوسنا وأموالنا وأهلينا لله لا يظلمنا فيما يصنعه بنا . الثاني : أسلمنا الأمر لله ورضينا بقضائه ، ( وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ ( يعني : للبعث لثواب المحسن ومعاقبة المسيء . الثالث : راجعون إليه في جبر المصاب وإجزال الثواب . الرابع : أن معناه إقرار بالمملكة في قوله : ) إِنَّا لِلَّهِ ( ، وإقرار بالهلكة في قوله : ) وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ ).
وفي المنتخب ما ملخصه : إن إسناد الإصابة إلى المصيبة ، لا إلى الله تعالى ، ليعم ما كان من الله ، وما كان من غيره . فما كان من الله فهو داخل تحت قوله : ) إِنَّا لِلَّهِ ( ، لأن في الإقرار بالعبودية تفويضاً للأمور إليه ، وما كان من غيره فتكليفه أن يرجع إلى الله في الإنصاف منه ، ولا يتعدى ، كأنه في الأول ) إِنَّا لِلَّهِ ( ، يدبر كيف يشاء ، وفي الثاني : ) أَنَاْ إِلَيْهِ ( ، ينصف لنا كيف يشاء . وقيل : ) إِنَّا لِلَّهِ ( ، دليل على الرضا بما نزل به في الحال ، ( وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ ( ، دليل على الرضا في الحال بكل ما سينزل به بعد ذلك . واشتملت الآية على فرض ونفل . فالفرض : التسليم لأمر الله ، والرضا بقدره ، والصبر على أداء فرائضه . والنفل : إظهاراً لقول ) إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ ( ، وفي إظهاره فوائد منها : غيظ الكفار لعلمهم بجده في طاعة الله .
البقرة : ( 157 ) أولئك عليهم صلوات . . . . .
( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ ( ، أولئك مبتدأ ، وصلوات : ارتفاعها على الفاعل بالجار والمجرور ، أي : أولئك مستقرة عليهم صلوات ، فيكون قد أخبر عن المبتدأ بالمفرد ، وهذا أولى من جعل صلوات مبتدأ ، والجار والمجرور في موضع خبره . والجملة في موضع خبر المبتدأ الأول ، لأنه يكون إخباراً عن المبتدأ بالجملة . والصلاة : من الله المغفرة ، قاله ابن عباس ؛ أو الثناء ، قاله ابن كيسان ، أو الغفران والثناء الحسن ، قاله الزجاج . والرحمة : قيل هي الصلوات ، كررت تأكيداً لما اختلف اللفظ ، كقوله ) رَأْفَةً وَرَحْمَةً ). وقيل : الرحمة : كشف الكربة وقضاء الحاجة . وقال عمر : نعم العدلان ونعم العلاوة ، وتلا : ) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم ( الآية ، يعني بالعدلين : الصلوات والرحمة ، وبالعلاوة : الاهتداء . وفي قوله : أولئك ، اسم الإشارة الموضوع للبعد دلالة على بعد هذه الرتبة ، كما جاء : ) أُوْلَائِكَ عَلَى هُدًى مّن رَّبّهِمْ ). والكناية عن حصول الغفران والثناء بقوله : ) عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ ( بحرف على ، إشارة إلى أنهم منغمسون في ذلك ، قد غشيتهم وتجللتهم ، وهو أبلغ من قوله لهم . وجمع صلوات ، ليدل على أن ذلك ليس مطلق صلاة ، بل صلاة بعد صلاة ، ونكرت لأنه لا يراد العموم . ووصفها بكونها من ربهم ، ليدل بمن على ابتدائها من الله ، أي تنشأ تلك الصلوات وتبتدىء من الله تعالى . ويحتمل أن تكون من تبعيضية ، فيكون ثم حذف مضاف ، أي صلوات من صلوات ربهم . وأتى بلفظ الرب ، لما فيه من دلالة التربية والنظر للعبد فيما يصلحه ويربه به . وإن كان أريد بالرحمة الصلوات ، فلا يحتاج إلى تقييد بصفة محذوفة ، لأنها قد تقيدت . وإن كان أريد بها ما يغاير الصلوات ، فيقدر : ورحمة منه ، فيكون قد حذفت الصفة لما تقدم . ويحتمل أن يكون : ) مّن رَّبّهِمُ ( ، متعلقاً بقوله : ) عَلَيْهِمْ ( ، فلا يكون صفة ، بل يكون معمولاً للرافع لصلوات ، وترتب على مقام الصبر . ومقال هذه الكلمات الدالة على التفويض لله تعالى ، هذا الجزاء الجزيل والثناء الجميل .
وقد جاء في السنة ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) قال : ( من استرجع عند المصيبة ، جبر الله مصيبته ، وأحسن عقباه ، وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه ) . وفي حديث آخر : ( من تذكر مصيبته ، فأحدث استرجاعاً ، وإن تقادم عهدها ، كتب الله له من الأجر مثله يوم أصيب ) . وحديث أم سلمة مشهور ، حيث أخلفها الله عن أبي سلمة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) . وقال ابن جبير : ما أعطى أحد في المصيبة ما أعطيت هذه الأمة ، ولو أعطيها أحد قبلها لأعطيها يعقوب . ألا ترى كيف قال حين فقد يوسف ؟ ) فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ ).
) وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ( : إخبار من الله عنهم بالهداية ، ومن أخبر الله عنه بالهداية فلن يضل أبداً . وهذه جملة ثابتة تدل على الاعتناء بأمر المخبر عنه ، إذ كل وصف له يبرز في جملة مستقلة . وبدىء بالجملة

الصفحة 625