" صفحة رقم 660 "
التثبت والهز للنفوس ، وكأن المعنى : العبادة له واجبة ، فالشكر له واجب ، وذلك كما تقول لمن هو متحقق العبودية إن كنت عبدي فأطعني ، لا تريد بذلك التعليق المحض ، بل تبرزه في صورة التعليق ، ليكون أدعى للطاعة وأهزلها . وقيل : عبر بالعبادة عن العرفان ، كما قال : ) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ). قيل : معناه ليعرفون ، فيكون المعنى : أشكروا الله إن كنتم عارفين به وبنعمه ، وذلك من إطلاق الأثر على المؤثر . وقيل : عبر بالعبادة عن إرادة العبادة ، أي اشكروا الله إن كنتم تريدون عبادته ، لأن الشكر رأس العبادات . وقال الزمخشري : إن صح أنكم تختصونه بالعبادة وتقرون أنه مولى النعم . وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) يقول الله تعالى : إني والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري . انتهى كلامه . وإيا هنا مفعول مقدم ، وقدم لكون العامل فيه وقع رأس آية ، وللاهتمام به والتعظيم لشأنه ، لأنه عائد على الله تعالى ، كما في قولك : ) وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ( ، وهذا من الموضع التي يجب فيها انفصال الضمير ، وهو إذا تقدم على العامل أو تأخر ، لم ينفصل إلا في ضرورة ، قال :
إليك حتى بلغت إياكا
البقرة : ( 173 ) إنما حرم عليكم . . . . .
( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ( : تقدم الكلام على إنما في قوله : ) إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ). وقرأ الجمهور : حرم مسنداً إلى ضمير اسم الله ، وما بعده نصب ، فتكون ما مهيئة في إنما هيأت إن لولايتها الجملة الفعلية . وقرأ ابن أبي عبلة : برفع الميتة وما بعدها ، فتكون ما موصولة اسم إن ، والعائد عليها محذوف ، أي إن الذي حرمه الله الميتة ، وما بعدها خبران . وقرأ أبو جعفر : حرم ، مشدداً مبنياً للمفعول ، فاحتملت ما وجهين : أحدهما : أن تكون موصولة اسم إن ، والعائد الضمير المستكن في حرم والميتة خبران . والوجه الثاني : أن تكون ما مهيئة والميتة مرفوع بحرم . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : إنما حرم ، بفتح الحاء وضم الراء مخففة جعله لازماً ، والميتة وما بعدها مرفوع . ويحتمل ما الوجهين من التهيئة والوصل ، والميتة فاعل يحرم ، إن كانت ما مهيئة ، وخبر إن ، إن كانت ما موصولة . وقرأ أبو جعفر : الميتة ، بتشديد الياء في جميع القرآن ، وهو أصل للتخفيف . وقد تقدم الكلام على هذا التخفيف في قوله : ) أَوْ كَصَيّبٍ ( ، وهما لغتان جيدتان ، وقد جمع بينهما الشاعر في قوله : ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء
قيل : وحكى أبو معاذ عن النحويين الأولين ، أن الميت بالتخفيف : الذي فارقته الروح ، والميت بالتشديد : الذي لم يمت ، بل عاين أسباب الموت . وقد تقدم الكلام في الموت . ولما أمر تعالى : بأكل الحلال في الآية السابقة ، فصل هنا أنواع الحرام ، وأسند التحريم إلى الميتة . والظاهر أن المحذوف هو الأكل ، لأن التحريم لا يتعلق بالعين ، ولأن السابق المباح هو الأكل في قوله : ) كُلُواْ مِمَّا فِى الاْرْضِ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ). فالممنوع هنا هو الأكل ، وهكذا حذف المضاف يقدر بما يناسب . فقوله : ) حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ( ، المحذوف : وطء ، كأنه قيل : وطء أمهاتكم