" صفحة رقم 666 "
المبعوث منهم . فلما بعث من غيرهم ، غيروا صفته وقالوا : هذا نعت النبي الذي يخرج في آخر الزمان ، حتى لا يتبعوه . وروي عنه أنه قال : إن الملوك سألوا علماءهم قبل المبعث : ما الذي تجدون في التوراة ؟ فقالوا : نجد أن الله يبعث نبياً من بعد المسيح يقال له محمد ، بتحريم الربا والخمر والملاهي وسفك الدماء . فلما بعث ، قالت الملوك لليهود : هذا الذي تجدونه في كتابكم ؟ فقالوا ، طمعاً في أموال الملوك : ليس هذا بذلك النبي . فأعطاهم الملوك الأموال ، فأنزلت إكذاباً لهم . وقيل : نزلت في كل كاتم حق ، لأخذ غرض أو إقامة غرض من مؤمن ويهودي ومشرك ومعطل . وإن صح سبب نزول ، فهي عامة ، والحكم للعموم . وإن كان السبب خاصاً ، فيتناول من علماء المسلمين من كتم الحق مختاراً لذلك ، لسبب دنيا يصيبها .
ما أنزل الله من الكتاب : ظاهره أنه أنزل من علو إلى أسفل ، وأنه تعالى أنزل ملكاً به ، أي بالكتاب على رسوله . وقيل : معنى أنزل الله ، أي أظهر ، كقوله : ) سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللَّهُ ( ، أي أظهر . فكون المعنى : أن الذين يكتمون ما أظهر الله ، فيكون الإظهار في مقابلة الكتمان . وفي المراد بالكتاب هنا أقوال : أحدها : أنه التوراة ، فيكون الكاتمون أحبار اليهود ، كتموا صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وغيروها ، وكتموا آيات في التوراة ، كآية الرجم وشبه ذلك . وقيل : التوراة والإنجيل ، ووحد اللفظ على المكتوب ، ويكون الكاتمون اليهود والنصارى . وصف الله نبيه في الكتابين ، ونعته فيهما وسماه فقال : ) يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ ( ، وقال : ) وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ ). والطائفتان أنكروا صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) . وقد شهدت التوراة والإنجيل بذلك ، والنصوص موجودة فيهما ، الآن في مواضع منها في التوراة في الفصل التاسع ، وفي الفصل العاشر من السفر الأول ، وفي الفصل العشرين من السفر الخامس . ومنها في الإنجيل مواضع تدلّ على ذلك ، قد ذكر جميعها ، من تعرض للكلام على ذلك . وقيل : الكتاب المكتوب ، وهو أعم من التوراة والإنجيل ، فيتناول كل من كتم ما أنزل الله مما يتعلق بالأحكام قديماً وحديثاً ، وكل كاتم لحق وساتر لأمر مشروع .
( وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيًلا ( : لما تعوضوا عن الكتم شيئاً من سحت الدّنيا ، أشبه ذلك البيع والشراء ، لانطوائهما على عوض ومعوض عنه ، فأطلق عليه اشتراء . وبه : الضمير عائد على الكتمان ، أو الكتاب ، أو على الموصول الذي هو : ما أقوال ثلاثة ، أظهرها الآخر ، ويكون على حذف مضاف ، أي بكتم ما أنزل الله به . والفرق بين هذا القول وقول من جعله عائداً على الكتم ، أنه يكون في ذلك القول عائداً على المصدر المفهوم من قوله : ) يَكْتُمُونَ ( ، وفي هذا عائداً على ما على حذف مضاف ، وتقدم الكلام في تفسير قوله : ) لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً ( ، فأغنى عن إعداته ، إلا فعل الاشتراء جعل علة هناك وهنا جعل معطوفاً على قوله ( يكتمون ) ورتب الخبر على مجموع الأمرين من الكتم والاشتراء ، لأن الكتم ليست أسبابه منحصرة في الاشتراء ، بل الاشتراء بعض أسبابه . فكتم ما أنزل الله من الكتاب ، وهو أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، وإنكار نبوته وتبديل صفته ، كان لأمور منها البغي ، ( بَغْيًا أَن يُنَزّلُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ). ومنها الخسارة ، لكونه من العرب لا منهم . ومنها طلب الرياسة ، وأن يستتبعوا أهل ملتهم . ومنها تحصيل أموالهم ورشاء ملوكهم وعوامهم .
( أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ ( : أتى بخبر إن جملة ، لأنها أبلغ من المفرد ، وصدر بأولئك ، إذ هو اسم إشارة دال على اتصاف المخبر عنه بالأوصاف السابقة . وقد تقدم لنا الكلام في ذلك في قوله : ) أُوْلَائِكَ عَلَى هُدًى مّن رَّبّهِمْ ). ثم أخبر عن أولئك بأخبار أربعة : الأول : ) مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ ( ، فمنهم من حمله على ظاهره وقال : إن ذلك يكون في الدنيا ، وإن الرشاء التي هم يأكلونها تصير في أجوافهم ناراً ، فلا يحسون بها إلا بعد الموت . ومنع تعالى أن يدركوا أنها نار ، استدراجاً وإملاء لهم . ويكون في هذا المعنى بعض تجوز ، لأنه حالة الأكل لم يكن ناراً ، إنما بعد