كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن (اسم الجزء: 1)

الآخرةِ فأسألك ألَّا تنزل غرفةً من الجنة إلا نزلتُها معكَ، قال: نعم، قالتْ: إنه في جوفِ الماء في النيل، فادعُ اللهَ حتي يحسرَ عنه الماء، فدعا الله، فحسر عنه الماء، ودعا الله أن يؤخر طلوعَ الفجرِ إلى أن يفرغ من أمر يوسفَ، فحفر موسى ذلك الموضعَ، واستخرجه من صندوق من مَرْمَرٍ، وحمله حتى دفنه بحبرون (¬1) بجوارِ قبرِ أبيه يعقوب، ففتح لهم الطريقُ، فساروا وموسى على ساقَتِهِمْ وهارونُ على مقدِّمَتِهم، وندر بهم فرعونُ، فجمعَ قومَه، وأمرَهم ألَّا يخرجوا في طلبِ بني إسرائيلَ حتى يصيحَ الديكُ، فلم يَصِحِ الديكُ تلكَ الليلة، فخرج فرعونُ في طلب بني إسرائيلَ وعلى مقدمته هامانُ في ألفِ ألفٍ وسبعِ مئةِ ألفٍ، وكان فيهم سبعون ألفًا من دُهْم الخيل، سوى سائِر الشِّيآتِ، وكان فرعونُ يكون في الدُّهم، فسار بنو إسرائيلَ حتى وصلوا إلى البحر، والماء في غاية الزيادة، ونظروا فإذا هم بفرعونَ حين أشرقتِ الشمسُ، فبقُوا متحيِّرين، وقالوا: يا موسى! كيف نصنعُ؟ وأينَ ما وعدتَنا؟ هذا فرعونُ خلفَنا، إن أدركَنا قتلَنا، والبحرُ أمامَنا، إنْ دخلناه غرقنْا، قال الله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 61، 62]، فأوحى الله تعالى إليه أَنِ اضربْ بعصاكَ البحر، فضربَهُ فلم يُطِعْه، فأوحى الله إليه أنْ كَنِّهِ؛ أي: كلِّمْهُ بالكُنية، فضربهُ وقالَ: انفلِقْ يا (¬2) أبا خالدٍ بإذن الله {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63]، وظهر فيه اثنا عشَر طريقًا، لكل سِبْطٍ طريقٌ، وارتفعَ الماءُ بينَ كلِّ طريقينِ كالجبلِ، وأرسلَ اللهُ الريحَ والشمسَ
¬__________
(¬1) في "ن" "بجهرون".
(¬2) "يا" سقطت من "ظ".

الصفحة 100