كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن (اسم الجزء: 1)

لأن الحديد قابل للّين؛ فإنه يلينُ بالنار، وقد لانّ لداودَ -عليه السلام-، والحجارةُ لا تلينَ قطُّ، ثم فَضَّلَ الحجارةَ على القلب القاسي فقالَ:
{وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ} قيل: أراد به جميعَ الحجارةِ وقيل: أرادَ به الحجرَ الذي كان يضربُ عليه موسى للأسباط.
{وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ} أراد به عيونًا دون الأنهار.
{وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ} ينزل من أعلى الجبل إلى أسفله.
{مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وقلوبُكم لا تَلينُ ولا تخشعُ يا معشر اليهود، فإن قيل: الحجرُ جمادٌ لا يفهم، فكيف يخشى؟ قيل: اللهُ يُفهمها ويُلهمها فتخشى بإلهامه، ومذهبُ أهلِ السُّنةِ أن لله علمًا في الجمادات وسائرِ الحيوانات سوى العقلاء، لا يقف عليه غيرُه، فلها صلاةٌ وتسبيحٌ وخشيةٌ، قال الله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44]، وقال: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور: 41] وقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [الحج: 18]، فيجبُ على المرء الإيمانُ به، ويَكِلُ العلمَ إلى الله عزَّ وجلَّ.
{وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} وعيدٌ وتهديدٌ. قرأ ابنُ كثيرٍ: (يَعْلَمُونَ) بالغيب.
والباقون بالخطاب مناسبًا بقوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} (¬1).
¬__________
(¬1) انظر: "الحجة" لأبي زرعة (ص: 101)، و"السبعة" لابن مجاهد (ص: 160)، و"الغيث" للصفاقسي (ص: 120)، و"الكشف" لمكي (1/ 248)، و"تفسير البغوي" (1/ 67)، و"الكشف" للزمخشري (1/ 77)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (2/ 217)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: =

الصفحة 133