كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن (اسم الجزء: 1)

{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)}.

[94] {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ} وذلك أن اليهود ادَّعَوْا دَعاوى باطلةً مثلَ قولهم: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} [البقرة: 80] و {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 111] وقولهم {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} فكذبهم الله -عزَّ وجلَّ-، وألزمهم الحجَّةَ، فقالَ: قُلْ لهم يا محمدُ: إنْ كانَتْ لكمُ الدارُ الآخرةُ، يعني: الجنةَ عندَ اللهِ.
{خَالِصَةً} خاصَّةً.
{مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} أي: اطلبوه وسلوه؛ لأن من علمَ أن الجنةَ مأواه، حَنَّ إليها، ولا سبيلَ إلى دخولها إلا بعدَ الموت، فاستعجِلوه بالتمني.
{إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في قولكم. وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لَوْ تَمَنَّوُا الْمَوْتَ، لَغَصَّ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ بِرِيقِهِ، وَمَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ يَهودِيٌّ إلَّا مَاتَ" (¬1). قال الله تعالى:
{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)}.

[95] {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} لعلمهم أنهم كاذبون في دعواهم، وأراد بما قدمت أيديهم: ما قدَّموا من الأعمال، وأضافَ إلى اليد؛ لأن أكثرَ جناياتِ الإنسانَ تكونُ باليد.
¬__________
(¬1) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (1/ 425)، عن ابن عباس موقوفًا عليه.

الصفحة 154