كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن (اسم الجزء: 1)

وسجدا للصنم، فمسخَ الله الزُّهرةَ كوكبًا، وحُكي غيرُ ذلك، فلما أمسى هاروت وماروت بعدَما قارفا الذنب؛ أي: اكتسباه، هَمَّا بالصعود إلى السماء، فلم تطاوعْهما أجنحتُهما، فعلما ما حلَّ بهما، فقصدا إدريسَ النبي -عليه السلام-، فأخبراه بأمرِهما، وسألاه أن يشفعَ لهما إلى الله، وقالا له: إنا رأيناكَ يصعدُ لكَ من العبادة مثلُ ما يصعد لجميع أهل الأرض، فاستشفعْ لنا إلى ربك، ففعلَ ذلك إدريسُ، فخيرهما الله بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذابَ الدنيا؛ إذ عَلِما أنه ينقطع، فهما ببابلَ يعذَّبان إلى قيام الساعة (¬1).
وروي أن رجلًا قصدَ هاروتَ وماروتَ لتعلُّم السحر، فوجدهما معلَّقينِ بأرجلهما، مزرقَّةً أعينُهما، مسودَّةً جلودُهما، ليس بينَ ألسنتِهما وبينَ الماء إلا أربعةُ أصابعَ، وهما يعذَّبان بالعطش، فلما رأى ذلك، هالَهُ مكانُهما، فقال (¬2): لا إله إلا الله، فلما سمعا كلامه، قالا له: من أنتَ؟ قال: رجلٌ من الناس، قالا: من أي: أمة؟ قال: من أمةٍ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، قالا: وقد بُعث محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم قالا: الحمدُ لله، وأظهرا الاستبشارَ، فقال (¬3) الرجل: بم استبشارُكما؟ قالا: إنه نبيُّ الساعة، وقد دنا انقضاءُ عذابنا (¬4).
{وَمَا يُعَلِّمَانِ} يعني: الملكين.
{مِنْ أَحَدٍ} أي: أحدًا، و (مِنْ) صلة.
¬__________
(¬1) انظر: "تفسير البغوي" (1/ 100 - 101).
(¬2) في "ت": "فقالا".
(¬3) في "ن": "فسأل".
(¬4) المرجع السابق: (1/ 101).

الصفحة 166