كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن (اسم الجزء: 1)

نسبُّ محمدًا سرًّا، فأعلنوا به الآن، وكانوا يأتونه ويقولون: راعِنا يا محمدُ، ويضحكون فيما بينهم، فسمعها سعدُ بنُ مُعاذٍ، ففطنَ لها، وكان يعرفُ لغتَهم، فقال لليهود: لئن سمعتُها من أحدٍ منكم يقولُها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأضربنَّ عنقَهُ، فقالوا: أولستُمْ تقولونها؟ فأنزل الله هذه الآية نهيًا للمؤمنين عن التشبُّه بهم، وقطعًا للذريعة لكيلا يجد اليهود والمنافقون بذلك سبيلًا إلى شَتْم رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1).
{وَقُولُوا انْظُرْنَا} أي: انظرْ إلينا.
{وَاسْمَعُوا} ما تؤمرون به؛ أي: وأطيعوا.
{وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يعني: الذين تهاونوا بالرسولِ - صلى الله عليه وسلم - وسَبُّوه، وهم اليهود.
{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)}.

[105] {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الآية، وذلك أن المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفائهم من اليهود: آمنوا بمحمد، قالوا: ما هذا
¬__________
(¬1) انظر: "أسباب النزول" للواحدي (ص: 17)، و"تفسير البغوي" (1/ 102)، و"العجاب" (1/ 244)، و"فتح الباري" كلاهما لابن حجر (8/ 163)، و"لباب النقول" للسيوطي (ص: 24). قال ابن حجر: رواه أبو نعيم في "دلائل النبوة" عن ابن عباس بسند ضعيف جدًّا.

الصفحة 170