كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن (اسم الجزء: 1)

ونجوا من النار، ويكون الفلاح بمعنى البقاء؛ أي: الباقون في النعيم، وأصل الفلاح: القطعُ والشقُّ، ومنه سمي الزرَّاع فلاحًا؛ لأنه يشق الأرض، فهم المقطوعُ لهم بالخير في الدنيا والآخرة. روي عن يعقوبَ الوقفُ بالهاء على النون المفتوحة نحو (العالمينَ)، و (الذينَ)، و (يؤمنونَ) (¬1)، و (ينفقونَ)، و (المفلحونَ)، وشبهِه، حيث وقع (¬2).
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)}.

[6] {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني: مشركي العرب، أو اليهود، والكفر: هو الجحود، وأصلُه، من الستر، ومنه سمي الليل كافرًا؛ لأنه يستر الأشياء بظلمته، وسمي الزرَّاع كافرًا؛ لأنه يستر الحبَّ بالتراب، والكافرُ يستر الحقَّ بجحوده، والكفرُ على أربعة أنواع: كفرُ إنكار، وهو ألا يعرف الله أصلًا، ولا يعترف به، وكفر جحود، وهو: أن يعرف الله بقلبه، ولا يقر بلسانه؛ كإبليس، وكفر عناد: أن يعرف الله بقلبه، ويعترف بلسانه، ولا يدين به؛ كأبي طالب، وكفر نفاق، وهو: أن يقر باللسان، ولا يعتقد بالقلب.
{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} أي: متساوٍ عندهم، وقد تقدم في الفاتحة مذهبُ يعقوبَ في ضمِّ هاء (عَلَيْهُم)، وكذلك يضم كل هاء وقعت بعد ياء ساكنة، نحو: (إليهُم)، و (لديهُم) و (عليهُما)، و (إليهُما)، و (فيهُما)، و (عليهُن)،
¬__________
(¬1) في "ت": "والذين يؤمنون".
(¬2) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: 127)، و"معجم القراءات القرآنية" (1/ 18).

الصفحة 54