كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن (اسم الجزء: 1)

وهذا من إجراء الوصل مجرى الوقف، وقد اعترضَ جماعةٌ على أبي جعفر في قراءته لذلك، فردَّ ابنُ الجزريِّ اعتراضَهُ، وانتصرَ لأبي جعفرٍ، وصوَّبَ قراءته، وقال: إنه لم ينفردْ بهذه القراءة، بل قرأ بها غيرُه من السَّلَف. وقرأ الباقون: بإخلاصِ كسرةِ التاءِ (¬1). وهذا الخطابُ مع جميع الملائكة على الصحيح، والأصحُّ أن السجودَ كانَ لآدمَ على الحقيقة، وتضمَّنَ معنى الطاعة لله تعالى لامتثالِ أمرِه، وكانَ ذلكَ سجودَ تعظيمٍ وتحيَّةٍ، لا سجودَ عبادةٍ، ولم يكن فيه وضعُ الوجهِ على الأرض، إنما كانَ الانحناء، فلما جاء الإسلامُ أبطلَ ذلك. والسجودُ في الأصل: تذلُّلٌ مع تَطامُنٍ.
{فَسَجَدُوا} يعني: الملائكة.
{إِلَّا إِبْلِيسَ} وكان اسمُه عزازيل بالسريانية، وبالعربية: الحارثُ، فلما عصى، غُير اسمه وصورتُه، فقيل: إبليسُ؛ لأنه أبلسَ؛ أي: يئس من رحمة الله، والأصحُّ أنه كانَ من الملائكة لا من الجنِّ، وقوله تعالى: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: 50]، أي: من الملائكةِ الذين هم خَزَنة الجنة.
{أَبَى} امتنع فلم يسجد.
{وَاسْتَكْبَرَ} أي: تكبر عن السجود لآدم.
{وَكَانَ} أي: وصار.
¬__________
(¬1) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس (1/ 161)، و"المحتسب" لابن جني (1/ 71)، و"تفسير البغوي" (1/ 35)، و"إملاء ما منَّ به الرحمن" للعكبري (1/ 18)، و"تفسير القرطبي" (1/ 261)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (2/ 210)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: 134)، و"معجم القراءات القرآنية" (1/ 45 - 46).

الصفحة 84