كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن (اسم الجزء: 1)

{فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} من النعيم، وذلك أن إبليسَ أرادَ أن يدخلَ الجنةَ ليوسوسَ لآدمَ وحواءَ، فمنعَتْهُ الخزنَةُ، فأتى الحيَّةَ، وكانت صديقًا لإبليسَ، وكانتْ من أحسنِ الدوابِّ، لها أربعُ قوائمَ كقوائمِ البعيرِ، وكانتْ من خُزَّانِ الجنة، فسألها إبليسُ أن تُدخلَه في فَمِها، فأدخلَتْه، فمرَّتْ به على الخزنَةِ وهم لا يعلمون، فلما دخل الجنةَ، وقفَ بينَ يدَيْ آدمَ وحواءَ، وهما لا يعلمان أنه إبليسُ، فبكى وناحَ نياحة أحزنهما، وهو أولُ مَنْ ناحَ، فقالا له: ما يبكيك؟ فقال: أبكي عليكما، تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة، فوقع ذلك في أنفسهما، واغتمَّا، ومضى إبليسُ، ثم أتاهما فقال: {قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ}؟ [طه: 120] فأبى أن يقبل منه، فقاسَمَهما بالله إنَّه لهما لمن الناصحين، فاغترَّا، وما ظَنَّا أن أحدًا يحلفُ بالله كاذبًا، فبادرتْ حواءُ إلى أكلِ الشجرةِ، ثم ناولتْ آدمَ حتى أكلها، فلما أكلا منها، فُتَّتْ عنهما ثيابُهما، وبدَتْ سوءاتهما، وأُخرجا من الجنة (¬1)، فذلك قوله تعالى:
{وَقُلْنَا اهْبِطُوا} أي: انزلوا إلى الأرض، يعني: آدم وحواء وإبليس والحية، والهبوطُ: الانحطاطُ من عُلُوٍّ إلى سُفْلٍ، فهبطَ آدمُ بِسَرَنْديبَ من أرضِ الهندِ على جبل يقال له: نَوْد، وحواء بجدة، وإبليس بأيلةَ، والحيةُ بأصفهان.
{بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} أراد: العداوة التي بين ذرية آدم والحية، وبين المؤمنين من ذرية آدم وإبليس.
{وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} موضعُ قرار.
¬__________
(¬1) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (1/ 235).

الصفحة 87