كتاب النكت على صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

وروى غنجار من طريق بكر بن منير قَالَ: حُمل إلَى مُحَمَّد بن إسماعيل بضاعة، فاجتمع به بعض التجار، فطلبوها منه بربح خمسة آلاف، فقال لهم: انصرفوا الليلة، فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه البضاعة [9/ أ] بربح عشرة آلاف، فردَّهم وَقَالَ: إني نويتُ البارحة أن أدفع إلَى أولئك ما طلبوا، ودفعها إلَى الأولين، وَقَالَ: لا أحب أن أنقض نيتي.
وَقَالَ مُحَمَّد الوراق: كنتُ مع البُخَاريّ بفَربر وهو يصنف كتاب التفسير، فاستلقى يومًا، وكان قد أتعب نفسه في ذَلِكَ اليوم في التخريج، فقلت له: إني أراك تقول: ما أثبت شيئا بغير علم، فما الفائدة في الاستلقاء؟ قَالَ فكدَت (¬1)، وإن هذا ثغر، وكنت قد أتعبت نفسي، فخشيت أن يحدث حَدَثٌ من أمر العدو، فأحببتُ أن أستريح وآخذ أهْبَةً، فإن غافصنا (¬2) عدو كَانَ بنا حِرَاك، قَالَ: وكان يركب إلَى الرمي كثيرًا فما أَعْلَمني في طول ما صحبته أخطأ سهمه الهدف إلا مرتين، بل كَانَ يُصيب في كُل ذَلِكَ ولا يُلْحَق (¬3).
قَالَ: وسمعته يقول: دعوت ربي مرتين فاستجاب لي -يعني: في الحال- فلا أحبُّ أن أدعو بَعْدُ فلعله يُنْقِص حسناتي.
قال: وسمعته يقول: لا يكون لي خصم في الآخرة إن شاء الله فقلتُ له: إن بعض الناس ينقمون عليك التاريخ، ويقولون: فيه اغتياب الناس، فقالى: إنما روينا ذَلِكَ رواية، لم نقله من عند أنفسنا، وإنما قاله من قاله عَلى سبيل النصح.
قَالَ: وسمعته يقول: ما اغتبتُ أحدًا قط منذ علمت أن الغيبة حرام.
وقَالَ بكر بن منير: كَانَ مُحَمَّد بن إسماعيل يُصلي ذات يوم، فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة، فلما قضى صلاته قَالَ: انظروا أي شيء هذا الَّذِي آذاني في صلاتي؟ فنظروا فإذا الزنبور قد وَرَّمَه في سبعة عشر موضعًا ولم يقطع صلاته.
¬__________
(¬1) كذا في الأصل، وهي في "تاريخ بغداد"، و"تهذيب الكمال"، و"سير أعلام النبلاء": "أتعبنا أنفسنا اليوم"، وفِي "هدي الساري": "أتعبتُ نفسي اليوم"، فلعلها تصحفت من كلمة "الكدّ".
(¬2) غافصنا: غافصه: أخذه عَلى غرَّة.
(¬3) "تاريخ بغداد" (2/ 14)، و"تهذيب الكمال" (24/ 448)، و"سير أعلام النبلاء" (12/ 444)، و"مقدمة فتح الباري" (504).

الصفحة 92