كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)
وابن رُشيد في حِذْقِه، إن لم يكنْ بَزَّهم فيه؛ ولذلك نجدُه في كتابه منجذبًا نحوَه، منجرًّا للكلام فيه كلما عنّت مناسبة أو سَنَحت فرصة، بل إنه ضمَّن أحدَ تراجم كتابه مؤلَّفًا كاملًا فيه، وكثيرًا ما يستندُ في نقده الأدبيِّ إلى ثقافته العروضية.
ويمكنُ القول على الإجمال بأنّ ثقافةَ ابن عبد الملِك الأدبيّة كانت ثقافةً متينة، وقد بدَت ثمراتُها في شعره ونثره ونقدِه مما سنعرِض له بعد قليل.
إنّ المعارفَ التي كانت -حسَبَ ابن الزُّبير- غالبةً على ابن عبد الملك، ومستبدّةً بنشاطِه، ومستغرِقةً لوقتِه وجهده، هي المعارفُ التاريخيّة على العموم وما يرجِعُ منها إلى طبقات الرجال وتراجمهم وأسانيدِهم على الخصوص، قال ابن الزُّبير -وقد ذكَرَ كتابه "الذّيلَ والتكملة"-: "وعلى هذا الكتاب عَكَف عمُرَه، ولم يتمَّ له مَرامُه منه إلى أن لحِقَتْه وفاتُه؛ لأنه ألزم نفسَه فيه ما يعتاصُ الوفاءُ به منَ استيفاءِ ما لم يلتزمْه ابنُ بَشْكُوال ولا الحُمَيْديّ ولا ابنُ الفَرَضيّ ومَن سَلَك مسلكَهم" (¬1).
لقد نهَضَ ابنُ عبد الملك بأعباءٍ مهمةٍ تاريخيّة كان ميسَّرًا لها ومُلهمًا إلى التوجّه نحوها، وقام بها خيرَ قيام، وأدّاها بكل أمانةٍ ونزاهة، ولولاه لنُسي جَمٌّ غفير من الأعلام، ولَضاع عِلمٌ كثير، ولعلّه كان أولَ من نعَى على المغاربة إهمالَهم ذكْرَ محاسن علمائهم وإغفالَهم تخليدَ مفاخرِ فقهائهم. ويا ليتهُ رحمه الله عُني بوضع معجَم لأولئك الأعلام من المغاربة الذين لم يَدخلوا الأندلس ولم يكونوا من شرط كتابه ولا كُتُب الأندَلسيِّينَ الذين زاحمهم في مَيْدانهم فسبَقَهم وتفوّق عليهم. لا نعرفُ البواعثَ التي وجَّهت ابنَ عبد الملك نحوَ التاريخ وتراجم الرّجال وطبقاتهم وجعَلَتْه يُقبلُ على ذلك بشَغَف كبير وينصرفُ إليه بنَهَم مُنقطع النّظير، حتى إنه وقَفَ عليه اهتمامَه، وقفَى فيه شهورَ عمُرِه وأعوامَه، وهو لم يُشر إلى هذه البواعث في الموجود في مقدِّمة "الذّيل والتكملة"، ولعله ذكَرَ شيئًا
¬__________
(¬1) صلة الصلة 3/الترجمة 36.
الصفحة 100
784