كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

منها في آخِرها الذي بيّض له في النّسخةِ الوحيدة التي وصَلت إلينا تامّةَ من السِّفر الأول.
وإذا كان الولَعُ بعملِ من الأعمال ممّا لا يُعلَّل في بعض الأحيان فإنّ ثمةَ ظاهرةً تستوقفُ النظر، وهي ظهورُ طائفة من المؤرِّخينَ في أوقاتٍ متقاربة ومتسلسِلة بمَرّاكُش، سواء أكانوا من أهلها أم من الطارئينَ عليها، نذكُر منهم: ابنَ الصيْرَفيّ، والبَيْذَق، وابنَ صاحب الصلاة، ويوسُفَ بن عُمر، وعبدَ الواحد المَرّاكُشيَّ، والتادَليَّ، وابن القَطّان، وابن بيرة، وابنَ حمّاد، وابنَ عِذاري، وصالحَ ابن أبي صالح الإيلانيّ. وهؤلاء المؤرِّخونَ الأعلام سواء منهم الرَّسميّون وغيرُهم يؤلّفون ما يُمكنُ أن نُطلقَ عليه المدرسةَ المَرّاكُشيّةَ في التاريخ، وهذه المدرسة بدأت معَ تأسيس مَرّاكُش والمُرابِطين واستمرّت حتى قيام المَرِينيِّين، ولقد نَقَل ابن عبد الملك عن بعض هؤلاء ونقَل بعضُهم عنه، ونرى أنه كان أوسعَهم جميعَا في الاطّلاع على المصادر والوثائق ولا سيّما في التراجم وتاريخ الحياة العلميّة والأدبيّة، وساعَدَه على التوسُّع في الموادِّ التاريخيّة والتضلّع في مختلف جوانبها، والوقوفِ على قضاياها والنفوذِ إلى أسرارها وخفاياها عواملُ متعدِّدة، منها: وجودُه في مركز الأحداث التاريخيّة، وقُربُه من أصحابها أو صانعيها كما يقال، وجمعُه لمكتبةٍ تاريخيّة مشتملة على مصادرَ أخباريّة ووثائقَ رَسْميّة أصليّة بخطوطِ أصحابِها ما نظنُّ أنها تيسَّرت لغيره، وقبلَ ذلك كلِّه شغَفٌ بل غرام بالتواريخ والأخبار سَلَبَ لُبَّه وشغَلَ عقلَه، ولعلّه دَلَفَ إلى التاريخ من بابِه الإسلاميِّ الأصيل، باب الأحاديث والأسانيد، على أنّنا نجدُه منذ صغره متحفّزَ الوعي بالأحداث التاريخيّة قويَّ الملاحظة لمظاهرِها، فقد وَصَف ترتيبَ الجيش ونظامَه عندَ الخروج لغزوِ أو سَفَر في أواخِر الموحِّدين اعتمادًا على ذاكرته (¬1)، وكان لصِلته -وهو صغير- ببَلاط الموحِّدين، وعلاقته -وهو
¬__________
(¬1) الذيل والتكملة 1/الترجمة 231.

الصفحة 101