كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

شخصيّته:
لا نجدُ عند من ترجَموا لابن عبد الملك ما يشيرُ ولو إلى صفة واحدة من صفاته الجسمية، ومن هنا فإننا لا نَعرِفُ شيئًا عن صورته وشكلِه (¬1)، كما أنّنا لا نجدُ عندَهم ما يُغني في تحليل شخصيّته.
وكلُّ ما نقفُ عليه في هذا المعنى ما ذكَرَه ابنُ الزُّبير الذي عَرَف ابن عبد الملك عن بُعد وانتهت إليه أخباره بالسّماع، فقد وَصَفَه بذكاءِ الذّهن الفائق، ونباهة الخاطر الفائقة، وحِدّة الخُلُق، وهذه صفاتٌ متلازمة أحيانًا.
ويبدو من هذا، ويشهَدُ له كلامُ ابن عبد الملك، أنّ الحِدّةَ حدّةَ الذّهن والخاطر والخُلُق معًا، كانت الصِّفةَ الغالبةَ عليه، وهي تصلحُ أن تكونَ "مفتاحَ شخصيّته" حسَبَ تعبير المرحوم العقّاد، ومن مظاهر هذه الحِدّة لديه الصّراحةُ في القول، والنّزوعُ إلى النّقد، والطموحُ إلى التفوُّق على الأضراب، والتمدُّح بالعمل المتقَن، وهذه المظاهرُ باديةٌ لمن يقرأُ الأسفار المنشورةَ من "الذّيل والتكملة".
فأمّا الصّراحةُ في القول فقد جعَلتْه يدوِّنُ كلَّ ما يعرفُه من أحوال المترجَمين أو يقعُ إليه من أخبارهم، وهو لا يتغاضَى عن نقلِ الروايات التي قد يكونُ فيها مسّ بهم، وهذا منتهى الصّراحة والأمانة، وليس كلُّ المؤرِّخينَ على هذَيْن الوصفَيْن، فمِن صراحتِه وعدم تكتُّمِه: ما نقَلَه من خلافٍ في مخزوميّة أبي المُطرِّف أحمد بن عَمِيرة، وما حكاه عن ابن الحاجِّ الشاطبيّ من تعريض بأصلِه، وتصريح بيهوديّة سَلَفِه. وقد انتقد ابن الخطيب صنيعَ ابن عبد الملك فقال تحت عنوان: أولّيّته -وهو عنوانٌ تقليديٌّ في تراجمه-: "لم يكن من بيتِ
¬__________
(¬1) وصف ابن الخطيب ولد ابن عبد الملك فقال: كان رحمه الله غريب المنزع، شديد الانقباض محجوب المحاسن، تنبو العين عنه جهامة وغرابة شكل ووحشة ظاهرة في طي ذلك أدب غض ونفس حرة وأبوة كريمة، أحد الصابرين على الجهد المتمسكين بأسباب الراضين بالخصاصة.

الصفحة 109