كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)
وعدَّد في ترجمة ابن القَطّان بعضَ ما كان يُنعَى على هذا العالِم الكبير من أمور، ومنها: استعمالُه المُسكِر وتناولُه إيّاه وتأوُّلُه فيه، وقد ناقش شيخَهُ أبا عبد الله المدعوَّ بالشّريف الذي كان متعصِّبًا لابن القَطّان مبرِّرًا بعضَ تلك الأمور، ولكن ابن عبد الملك رَدّ تبريرَه وأصَرَّ على ما نقَلَه (¬1).
وهكذا منهجُه على الجُملةِ في تراجمه، يَنقُل فيها كلَّ ما وقَعَ إليه وانتهى إلى علمِه حتى ألقابَ المترجَمين المكروهةَ عند أصحابها مثلَ "الوَزَغيّ" و"ابن الرُّوميّة"، والخلافَ في أنسابِهم وما يتّصلُ بالجَرْح والتعديل في رواياتهم وغيرَ ذلك.
وليس في نيّتنا هنا تتبُّعُ جميعِ ما جاء في كتابه من صراحةٍ قاسية انتقَدَها عليه بعضُ مُعاصِريه وغيرُهم ومنهم: ابنُ الزُّبير وابنُ رُشَيْد والتُّجِيبيُّ وابنُ الخطيب، وقد رجَعَ ابنُ الزُّبير ذلك إلى حدّة خُلُقِه، وهي حِدّةٌ ذكَرَ أنها كانت سببَ محنتِه.
ومهما يكنْ من أمر فالمؤرِّخونَ ومؤلِّفو كُتُب التراجم في هذه النُّقطة فئتان: فئة تتحاشَى ذكْرَ الهفَوات وتتغاضَى على الهَنَات ولا تَعرِضُ لشيء ممّا يمسُّ الأعراض، ومنهم: السُّبكيُّ الذي وقَفَ عندَ هذه النقطة في كتابه "مُعيد النِّعم ومُبيدِ النِّقم".
وفئةٌ لم تكنْ ترى هذا الرأي وذهَبَت إلى مخالفتِه وذكَرت الناسَ بما لهم وما عليهم معَ تفاوُت في الحِياد والعدل والإنصاف والبُعد عن الهوى والتعصُّب، ومن هؤلاءِ ابنُ حَيّان وابنُ عبد الملك في المغرب، والذّهبيُّ في المشرِق على سبيل المثال (¬2).
وأمّا النزوعُ إلى النَّقْد فهو مظهرٌ آخَرُ من مظاهر الحِدّة والتنبُّه والتحفُّز والتيقُّظ عندَ ابن عبد الملك، كما أنه يعكسُ مَيْلَه الواضحَ إلى إظهار تضلُّعِه في المعارف وتمكُّنه من العلوم؛ ولذلك جاء نقدُه متنوِّعًا، فله نقداتٌ أدبيّة ولُغَويّة
¬__________
(¬1) راجع ترجمة ابن القطان في السفر الثامن، الترجمة 15.
(¬2) ينظر مثلًا كتاب الدكتور بشار عواد، الذهبي ومنهجه 427 فما بعدها (ط. دار الغرب 2008 م).
الصفحة 111
784