كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

ولابن عبد الملك تعقيبات على ابن بَشْكوال، ولسنا ندري لماذا كان يستكثرُ عليه بعضَ الأشياء، فقد وقَفَ له على إجازةٍ لصاحب له سأله مناوَلةَ "الصِّلة"، وفيها: "فأجبتُه إلى ما سأل على وجه الطاعة له بعدَ أن أشفقتُ ممّا رَسَم أن يتعاطى مثلي معَ مثلِه منزلةَ الأشياخ، لكنّ بعضَ الشّيوخ كان يقول: موافقةُ الإخوان خيرٌ من الإبقاء على النفْس"، وعلّق ابن عبد الملك على هذا بقوله: "كنتُ أستجيدُ التعبيرَ عن هذا المقصِد بمثل هذه العبارة وأُبعد كثيرًا أن يَصدُرَ مثلُه عن أبي القاسم ابن بَشْكُوال -رحمه الله- حتى وقَفْتُ على نُسخة من شيوخ الراوية أبي عَمْرٍ والسَّفَاقُسيّ وذكَرَ بعضَ ما أخَذ عنهم كتَبَ بها إلى القاضي أبي عُمَر أحمد بن محمد ابن الحَذّاء وذكَرَ في صدرِها سؤالَه إياه ذلك"، وقال: "فأجبتُه بعدَما أشفقتُ منه إلي ما رَسَم وإن كان على مثلي فيه وَهْنٌ أن يتعاطى رُتبةَ الأئمة ومنزلةَ الأشياخ معَ مثلِه، لكنّي سمعتُ بعضَ الشيوخ يقول: موافقةُ الإخوان خيرٌ من الإبقاء على النفْس"، ثم قال: "فسُرِرت بصدق حَدْسي في ذلك، والحمدُ لله على نِعَمِه التي لا تُحمى" (¬1). وهذا التعليقُ شاهدٌ على الارتياح الذي كان يَشعُرُ به ابنُ عبد الملك عندما يكتشفُ المآخذَ ويتوصَّلُ إلى المطاعن، ولهذا نظائرُ وأشباهٌ في كتابه، فقد أورَدَ في ترجمة سَعْدِ السُّعود بن عُفَير اللَّبْلي قصيدةً له يُخاطب بها ولدَه، ثم قال: "أنا أبعدُ أن يكونَ هذا النظمُ لأبي الوليد هذا؛ فقد وقَفْتُ في "برنامجَه" الذي كتبَه بخطّه إلى بعض سائلي الرواية عنه على ضروبٍ من الخَلَل والتصحيف الشّنيع وفساد الهجاء مما يكاد أيسَرُه يناقضُ التلبُّسَ بأدنى رُتبة من العلم والارتسام به جملة، ولعلّه كلَّف غيرَه فأنشَأَها له وبعَثَ بها إلى ابنه وهو الظاهر، والله أعلم" (¬2).
والشاهدُ في هذا النصّ والذي قبلَه أنّ طبيعةَ الانتقاد كانت غالبةً على ابن عبد الملك معَ ما يُصاحبُها من حَذَر في تقبُّل أعمال الناس بعين الإغضاء،
¬__________
(¬1) الذيل والتكملة 4/الترجمة 337.
(¬2) المصدر نفسه 4/الترجمة 46.

الصفحة 113