كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

وكان بعضُ معاصِريه -ممن تشُقُّ عليهم الصّراحة ويتلقَّون الأشياءَ بالتسليم وعدم الاعتراض- لا يرضَوْنَ عن مسلكِه ولا يوافقونَه على منهجه، وذهَبَ ابنُ رُشيد معاصِرُ ابن عبد الملك إلى أنّ انتقاصَ الأفاضل كان فيه عادةً مرافقة والاعتراضَ عليهم صار له طبعًا ملازمًا، ولكنّ كلامَ ابن رشيد لا يخلو من تحامُل، ولا ندري أوقَفَ عليه ابنُ عبد الملك أم لا، وما نحسَبُ أنه كان يترُكُه بدون ردّ لو وقَفَ عليه، وقد عرَفْنا ممّا سبق فضلَ ابن عبد الملك على ابن رُشيد.
ومن مواقفِ ابن عبد الملك معَ ابن بَشْكُوال: مخالفتُه إيّاه في شأن نَقْل المصحف الإمام من قُرطُبة إلى مَرّاكُش بأمرِ عبد المؤمن، قال ابنُ بَشْكُوال: "أُخرِجَ هذا المصحف عن قُرطُبة وغُرِّب عنها ليلةَ السبت الحاديةَ عشْرةَ من شوّال سنةَ اثنتينِ وخمسينَ وخمس مئة، وحُمل صبيحةَ يوم السّبت وجُوِّز إلى العُدوة أخَذَ اللهُ من سعَى في تغريبِه وخروجِه عن الحضرة أخْذَ آسف، ولا أمهلَه بالذي لا إلهَ إلا هو، وعجَّل بصرْفه إلى مكانِه بقدريه، لا يُعجِزُه شيء جَلَّ جلاله وعَظُم سلطانُه". وقال ابن عبد الملك: "رحمَ اللهُ أبا القاسم ابنَ بَشْكُوال ونفَعَه بمقصدِه، فإنّما استأثرَ بعِلق نفيس، واستكثرَ من خير جليس، وأفضل أنيس، وتأثّر لانتقال موقفٍ على محلِّه الأحقِّ به حبيس، فلذلك أتبَعَ خبرَه عنه نفثةَ مصدور عن قلب جريح، ولَهْفَ موتور ذي فؤادٍ بمؤلم هذا المُلمِّ جريح، ولو كوشفَ رحمه اللهُ بحال قُرطُبة من بلاد الأندلس وسواها، وانتهاك عَبَدة الصّليب مَحُوطَ حماها، واستيلائهم على ما اشتملت عليه من كثير من المصاحف غيرِ ذلك المصحف الكريم، وابتذالِهم ما عُني العلماءِ بصيانتِه من ذخائرِ دواوين العلم على العهد القديم، لسُرَّ بإخراجِه عن قُرطُبةَ واحتماله، وأعان بالتحضيض نصحًا له على انتقاله، إنقاذًا له من أيدي المشركين، واستدامةً لبقائه في كلاءة المسلمين" (¬1).
¬__________
(¬1) الذيل والتكملة 1/الترجمة 231.

الصفحة 114