كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

وكلامُ ابن بَشْكُوال قد تشمُّ منه رائحة العصَبيّة البلديّة والحساسيّة الأندلسية، ويبدو عنيفَا في الدعاءِ على سلطانِ وقته، أمّا ابنُ عبد الملك فقد جاء كلامُه هادئَا صادرَا عن عاطفةٍ دينيّة تعترفُ بحُرمة الحبس ولكنها تنتصرُ لمآلِ ذلك التصرُّف.
كان ابنُ عبد الملك معتزَّا بمَغْربيّيه، ومعَ أنّ شرطَ كتابه فَرَضَ عليه أن يوجّه جُلَّ اهتمامه إلى تراجم أعلام الأندلس ويصرفَ معظمَ نشاطِه في تخليدِهم قبل غيرهم، فقد كان يُحسُّ بالامتعاض من تعصُّب بعض الأندلسيِّين ويَشعُر باهتضامهم حقَّ أهل العُدوة وقلة إنصافِهم لهم، ونجدُ ردَّ الفعل عندَه يبدو في عنايته بتراجم الغُرباء، وهم الداخلونَ إلى الأندلس من أهل العُدوة، وفي إشارته إلى "ما لأهل المغرب في الفضل من الحُسنَى والزّيادة" وإلى "أنّ بهذه البلاد (المغربية) من أهل هذا الفنّ (الشّعر) عِمارة" (¬1)، وهو يبدو أكثرَ من ذلك في موقفِه من ابن الأبار وتصَدّيه لتعصُّبه. ومن مظاهر اعتزازه بمغربيّته: دفاعُه عن النَّحويِّ المغربيِّ الكبير أبي موسى الجَزُوليّ، وردُّه على بعض الأندلسيِّين، كابن الأبّار وابن الزُّبير، الذين شكَّكوا في نسبة الكُرّاسة المشهورة إلى أبي موسى، قال: "ومن الناس -وأكثرُهم بعضُ الأندلسيِّين- من ينسُبُها لشيخه أبي محمد بن بَرّي، ويَذكُرُ عن أبي موسى أنه كان يقولُ: إنها جمْعُ تلامذةِ أبي محمد بن بَرّيّ حسبما لَقَنُوه عنه، ومنهم من يأثرُ عن أبي موسى أنها من إملاءات ابن برِّي على أبواب "الجُمَل" وأنّ أبا موسى كمَّلها، وكلُّ ذلك مما لا ينبغي التعريجُ عليه، وإنّما هي تقوُّلاتُ حسَدتِه النافسينَ عليه، وإلّا فلمَ لم تُعرَفْ إلا من قِبَل أبي موسى، وقد أخَذَها الناسُ عنه ودرَّسهم إياها ولم تُشهَرْ إلا له؟ وقد وقفتُ على خطِّه في نُسَخ منها محمِّلًا إياها بعضَ آخِذيها عنه إلى عصرِنا هذا، ولم يزَلْ أبو موسى يتولّى تهذيبَها وتنقيحَها والزيادةَ فيها والنقْصَ منها وتغييرَ بعض عباراتها حسبَما
¬__________
(¬1) انظر ترجمة يوسف ابن الجنان في السفر الثامن.

الصفحة 115