كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

يؤدِّيه إليه اجتهادُه ويقتضيه اختيارُه، وشهيرُ وَرَعِه يزَعُه عن التعرُّض إلى مثل هذه التصرُّفات في غير مصنَّفِه، اللهمّ إلا أن يكونَ ابن بَرِّي قد أذِنَ له في ذلك وهو بعيدٌ إن لم يكن باطلًا لِما تقَدَّم من أنه لم يأتِ بها أحدٌ عنه ولا نسَبَها إليه منذ مئةٍ وثلاثينَ سنة أو نحوها وهلم جرًّا" (¬1). ثم روى بعدَ هذا حكايةً تُصوِّر انبهارَ النَّحوي الأندَلُسي الشَّلَوْبين بما سَمع في مجلس أبي موسى، وترمي إلى إثباتِ التفوّق العلميِّ لأهل المغرب يومئذ على أهل الأندلس، وكلُّ ذلك مما ظهرت فيه حَمِيّةُ ابن عبد الملك لبلدِه ردًّا على تعصُّب ابن الأبّار وغيره.
كان ابنُ عبد الملك يَعرِفُ قَدْرَ ابن الأبّار ويحترمُ علمَه ويُجِلُّ مكانتَه، فقد عَدَّه أنبلَ مَن ألّف في التراجم بعد ابن الفَرَضي وابن بَشكُوال، وقدَّمه لذلك على ابن فَرْتون الفاسيِّ وابن الزُّبَير الغَرْناطيّ، وأشار إلى "شَهِير نُبلِه ومعروف تيقُّظِه وتحفُّظِه من متعلّقات النقد وأسبابِه" (¬2)، وأشاد باقتداره في كتابه: "الأربعون حديثًا ... " وقال: "أبدى به اقتدارَه معَ ضِيق مجاله عمّا عَجَزَ عنه المَلّاحيُّ من ذلك" (¬3)، كما نَوّه بشفوفه وتبريزه في الأدب ولا سيّما في النَّظم، وقد فَصَّل راسله فيه بقوله: "كان آخِرَ رجال الأندلس براعةً وإتقانًا، وتوسُّعًا في المعارف وافتنانًا، محدِّثًا مكثرًا، ضابطا عَدْلًا ثقةً ناقدًا يقظًا، ذاكرًا للتواريخ على تباين أغراضِها، مُستبحِرًا في علوم اللّسان نحوًا ولغةً وأدبًا، كاتبًا بليغًا، شاعرًا مُفلِقًا مجُيدًا، عُني بالتأليف وبَخَتَ فيه، وأُعينَ عليه بوفور مادتِه، وحُسن التهدّي إلى سلوكِ جادّتِه، وأعجَزَ عن الوفاءِ بشكر إفادتِها" (¬4).
بيدَ أنّ هذا الإكبار لابن الأبّار لم يمنَع ابنَ عبد الملك من أن ينتقدَ عليه جُملةَ أشياء، منها: تعصُّبُه الأندَلسي، كما تتبّع هفَواتٍ وقَعَت له في "التكملة"
¬__________
(¬1) الذيل والتكملة 8/الترجمة 43.
(¬2) المصدر نفسه 1/ 206.
(¬3) المصدر نفسه 6/الترجمة 709.
(¬4) المصدر نفسه.

الصفحة 116