كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 1)

مماثلة يخالفُ ابنَ الأبّار ويمُرُّ مرَّ الكرام ولا يلتفتُ إلى الردِّ عليه، كما في ترجمة ابن خَيْر صاحب "الفِهرست" المشهورة، فابنُ الأبّار يسلُكُه في الأندَلسيِّين ويجعَلُه إشبيليًّا وخالَفَه ابن عبد الملك فذكَرَ الرجل في الغُرباء الطارئينَ على الأندلس وقال: إنه "فاسيُّ المولد والنشأة" ولم يُشرْ إلى صنيع ابن الأبار.
والواقعُ أنّ هذا الاختلافَ يدخُل في نطاق المنافرة بين العُدوتَيْن، ولقد أصبح بعضُ الأعلام منذُ امتزاج العُدوتَيْن في عهد المرابطين ومن بعدَهم محلَّ تنازع وموضعَ تجاذُب بين الأندَلسيِّينَ والمغاربة، والحقُّ أَنّ ابنَ عبد الملك تحَلّى بالإنصاف وتقيَّد بالشرط، وآيةُ ذلك أنه اعتبر ابنَ هشام النَّحويَّ اللُّغوي إشبيليًّا لا سَبْتيًّا وترجم له معَ الأندَلسيِّين لا مع الغُرباء، قال: "إشبيليٌّ سكنَ سبْتة، وجعَلَه ابنُ الأبّار منها فذكَرَه في الغُرباء غلطًا منه" (¬1)، كما أنه يعتبرُ ابن المُرحَّل مالَقيًّا لا سَبْتيًّا، مُراعيًا في كل ذلك مكانَ الولادة والنشأة.
وقد تتبَّع ابنُ عبد الملك هفَواتٍ لابن الأبّار فيما يخُصُّ وَفَيات بعض المترجَمين أو عَمُودَ نسبِهم أو نِسبتَهم، إلى غير ذلك، وسنكتفي بالإحالة على بعض مواضعها (¬2)، وربّما كان في بعض تعقيباتِه على ابن الأبّار شيءٌ من التجنِّي، ومثال ذلك: أنّ ابنَ الأبّار وَصَفَ كتابَ "تلخيص أسانيد الموطإ" لأبي محمد القُرطُبيّ بقوله: "وهو مما دَلّ على سَعة حفظِه وحُسن ضبطِه، وقد استدركتُ عليه مثلَه أو قريئا منه"، فعقّب ابن عبد الملك على هذا بقوله: "قال المصنِّف عفا اللهُ عنه: أسَرَّ ابنُ الأبّار في هذا الثناءِ حَسْوًا في ارتغاء، وأظهر زُهدًا في ضمنِه أشدُّ ابتغاء، ولم أقفْ على كتاب ابن الأبّار، غيرَ أنّي وجدتُه يَذكُرُ بعضَ ذلك في مواضعَ من "تكملته" وفي أمَلي التفرُّغُ لالتقاطِه إن شاء الله، وأرى أنه محلُّ استدراك ومجال اشتراك، فقد وقَفْت على ما لم يذكراه، وعثرت فيما طالعتُ على ما لم يَسطُراه، والإحاطةُ لله وحدَه" (¬3).
¬__________
(¬1) الذيل والتكملة 6/ الترجمة 162.
(¬2) المصدر نفسه 1/الترجمة 48، 94، 104، 387، 414 و 4/الترجمة 229.
(¬3) المصدر نفسه 4/الترجمة 365.

الصفحة 118